20 سبتمبر 2025
تسجيلمع انخفاض معدل التضخم بشكلٍ أعلى مما توقعه الكثيرون، نظرت التحليلات الاقتصادية في مجموعة واسعة من الأسباب المحتملة التي أدت لعدم انخفاض بعض الأسعار، بالإضافة إلى التفسيرات التقليدية حول العرض النقدي والأجور وقوى السوق والدورة الاقتصادية. ومن بين النقاط التي تستدعي النقاش ما إذا كانت الشركات التجارية تحصل من العملاء سعرًا أعلى من الأسعار الناجمة عن زيادة تكاليف التوريد، وهي ديناميكية تسمى «تضخم الجشع Greed Inflation». وفي علم الاقتصاد، قد تتسبب الشركات التي ترفع أسعارها بشكل مفرط ببساطة في انتقال العملاء إلى مكان آخر. ويمكن القول إن «الأسواق النقية» غير موجودة، ولكن بعض الأسواق أكثر تأثرا من البعض الآخر. وقد طرحت البروفيسور ويبر، من جامعة ماساتشوستس، رأيًا مهمًا عندما أكدت على أن «تضخم الجشع»، أو «التضخم الناجم عن البائعين» كان بارزًا، حيث أفادت بأن بعض الشركات تمرر كل تكاليف سلاسل التوريد المتزايدة، وأكثر من ذلك، إلى العملاء، وتتبنى هذا النهج. وقد تفقد بعض الشركات حصتها في السوق نتيجة لذلك، لكن المشكلة، كما تقول البروفيسور ويبر، تكمن في أن استراتيجية «تغليب رفع السعر على زيادة حجم المبيعات» يمكن أن تكون مربحة عندما تكون هناك صدمات متداخلة في سلاسل التوريد. وقالت إن الاختناقات في سلاسل التوريد يمكن أن تُنتج قوة احتكارية مؤقتة. وتؤكد التحليلات الاقتصادية الأكثر تقليدية للضغوط الأخيرة الناجمة عن التضخم، على دور السياسة النقدية المتساهلة، بالإضافة إلى الصدمات التي تلحق بسلاسل التوريد. وتقلل هذه التحليلات من شأن التضخم الناجم عن البائعين أو ترفضه، وتصف بدلاً من ذلك ظاهرة ملحوظة جدًا تتمثل في أن الكثير من الأموال تطارد عددًا قليلاً جدًا من السلع، مع حدوث التضخم وتحقيق هوامش ربح أعلى بسبب المحفزات المالية لارتفاع الإنفاق العام وانخفاض أسعار الفائدة. ورغم حدوث خلاف في الجدل الدائر بين بعض الاقتصاديين، إلا أن النظريتين لا تستبعدان بعضهما البعض. فالتضخم له أسباب متعددة وهو ظاهرة معقدة. ومن المؤكد أن معدلات الفائدة المنخفضة للغاية وصدمات سلاسل التوريد كانت من العوامل المؤثرة في ارتفاع معدلات التضخم. ومن المحتمل أيضًا أن الشركات قد تستخدم التكاليف المتزايدة «كغطاء» لزيادة هوامش الربح على الأقل لفترة ما. ويمكن أن يحدث تثبيت صريح للسعر”Price fixing”، وهو أمر غير قانوني في العديد من الدول. وكانت معدلات الفائدة المرتفعة فعالة بشكل جزئي فقط في كبح جماح التضخم، ويمكن لها كذلك كبح جماح العرض والطلب، عبر إضافة تكاليف بعض الشركات. وعندما لا يحدث تثبيت واضح للأسعار مع ضعف المنافسة، هناك تدابير يمكن للحكومات والهيئات التنظيمية اتخاذها للتعامل مع هذا الوضع. وتُعتبر الاقتصادات الصغيرة مثل اقتصاد دولة قطر أكثر عرضة لمشاكل نقص القدرة التنافسية؛ فقد يكون هناك وكيل واحد لمنتج ما على سبيل المثال. وفي قطاع تسيطر عليه جهة واحدة أو جهتان، مع وجود متطلبات رأسمالية مرتفعة وتكاليف تشغيلية عالية، تكون العوائق التي تعترض الدخول إلى السوق مرتفعة بالنسبة لرواد الأعمال، ومرتفعة جدًا للدخول إلى سوق صغير نسبيًا. ويمكن أن تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى زيادة تكلفة الدخول إلى السوق بسبب زيادة التكلفة الرأسمالية. وقد يضطر التاجر الجديد في السوق إلى تحمل تكبد خسارة لفترة طويلة أثناء بناء حصته في السوق. وهناك عدد كبير جدًا من الشركات الخاصة في منطقة الشرق الأوسط غير المدرجة في البورصة والتي لا تفصح عن بياناتها المالية للجمهور، لذلك لا يستطيع الجمهور الوصول إلى البيانات المتعلقة بهوامش الربح. وتتوافر لدى الجهات التنظيمية قدرًا أكبر من المعلومات، وبالتالي يقع العبء على عاتقها لتشجيع المنافسة القوية. وتحتاج هذه الجهات التنظيمية للنظر إلى هامش الربح الإجمالي، وليس فقط صافي الأرباح، لأنه من المعروف أن الشركات قد تدفع «رسوم إدارة» عالية رغبةً منها في زيادة تكاليفها الظاهرة وتقليل هوامش الربح والضرائب. ومن ناحية أخرى، قد يقول المسؤولون التنفيذيون في الشركة إن هوامش الأرباح السليمة تساعد في زيادة عوائد المستثمرين وتعزيز الأمن الوظيفي وإمكانية إعادة الاستثمار، وبالتالي فإن المشكلة معقدة. ويجب أن تقوم الحكومات والجهات المنظمة للمنافسة بدورٍ فاعلٍ في هذه القضية، لا سيَّما فيما يتعلق بأسعار المواد الضرورية، مثل الوقود والغذاء. ومن غير الواقعي فرض ضوابط صارمة على الأسعار في السوق الحرة، ولكن يمكن ممارسة الضوابط التنظيمية والتشريعية حين تبدو هوامش الأرباح مرتفعة والمنافسة محدودة.