11 سبتمبر 2025
تسجيلفى مقالاتنا السابقة تحت نفس العنوان تناولنا كيف يعبر الأطفال عن مشاعرهم وأنه يجب على الأم – أو من يحل محلها سواء كانت الجدة أو إحدى القريبات – أن تكون على درجة كبيرة من الوعى والثقافة بحيث تفهم تلك المشاعر سواء كانت سلبية أم إيجابية وتتعامل معها حيث أن عدم التعامل الصحيح من المحتمل أن يؤدى إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها .. راجع المقالات الثلاث الأولى . وفى المقال الرابع تناولنا المتغيرات التى حدثت فى المجتمعات نتيجة ضيق المنازل وعدم وجود مربيات مما يدفع الأسر إلى اصطحاب الأطفال معهم فى زياراتهم وكذلك عند استقبال ضيوف فى منازلهم الضيقة مما قد يعرض الأطفال لسماع بعض العبارات الغير مرغوب فيها ومن ثم ترديدها .. وتساءلنا فى نهاية المقال عما يجب عمله للتعامل مع هذه المشكلة . بداية نقول أننا جميعا مسئولون عن وجود هذه المشكلة . الدولة بعدم توفير المساكن الملائمة وسن القوانين التى تساعد على تفاقم أزمات الإسكان مما يدفع الأسر إلى قبول أى مسكن لأنه فى النهاية لابد للشباب أن يتزوج ويعيش . وسائل الإعلام خاصة الفضائيات بإذاعة تلك الإعلانات المسفة والتى تتناول إيحاءات خارجة عن حدود التربية والأدب وعلى سبيل المثال تلك المشروبات التى تؤكد القوة والفتوة وتجعل من الشباب رجالا .. ويبلغ الأمر ذروته فى الإستهزاء بالكبار عندما تنفجر فيهم المقرمشات ويضحك الصغار ويصبح الكبار موضعا للسخرية وكأنهم بذلك يرسخون ويحضون على " اللا قيم " السلبية على عكس ما تنادى به كل الكتب السماوية ومناهج التربية بضرورة توقير الكبار . أما المسلسلات والأفلام – وخاصة من يدعون الواقعية منهم – فإنهم دائما ما يظهرون الصغار وهم يسخرون من الكبار بدعوى الإستظراف وقد يكون ذلك بسبب ضعف سمعهم أو بطء حركتهم أو إنحناء ظهورهم نتيجة التقدم فى العمر وربما كان هذا الرجل الكبير أو تلك السيدة المسنة هما الجد أو الجدة واللذان يتوجب توقيرهما من الآباء أنفسهم ناهيك عن الأبناء والصغار .. وتكون الطامة الكبرى عندما تتم السخرية من المدرسين فى مجريات الأحداث وإظهارهم فى صورة غير حسنة بالمرة وأحيانا يشعر المتفرج بأن هذه المشاهد قد تم إقحامها خصيصا بغرض السخرية من رجال التعليم . أما الآباء أنفسهم فلا يمكن أن نعفيهم من اللوم فى هذا الأمر بالذات إذا ما تحدثوا عن المدرسين بصورة غير لائقة مظهرين بعض السلبيات فى المعلمين أو تضخيم هذه السلبيات .. وقد يتعدى الأمر ذلك بالتهديد بالذهاب إلى المدرسة وتأنيب المعلم أو تأديبه وقد يصل بهم الأمر للتحدث عن النقود التى يدفعونها للمعلم أو المصروفات المدرسية والتى لولاها ما قبض هذا أو ذاك من المدرسين مرتبه .. ومن نافلة القول أنه يتوجب على الكبار عدم التحدث بصورة سلبية عن المدرسين حتى لو وجدت هذه السلبيات بصورة يقينية ويجب ترسيخ مفهوم أن المدرس مثل الوالد وكذلك المدرسة مثل الأم ويجب توقيرهما واحترامهما . والرأى عندى فى هذه القضية الشائكة – كما أنادى دائما – بأن خير الأمور الوسط .. فبالرغم من أن كل الدراسات التربوية تنزع إلى ضرورة تقريب المسافات بين الأهل والأبناء فإنها فى نفس الوقت تنادى بأن تكون هذه العلاقة بعيدة عن الخوف ولكن قائمة على الإحترام المتبادل والصراحة والصداقة فيما بينهما .. يعنى إذا كنا نطلب من الصغار إحترام وتوقير الكبار وعدم مقاطعتهم أو رفع الكلفة معهم خاصة أمام الغرباء .. فيجب أن يكون هذا الإحترام متبادلا ويجب أن يراعى الكبار عدم توبيخ الصغار أو زجرهم أو حتى توجيه كلمات لوم أو عتاب خاصة أمام الغرباء أيضا وأن يتم التعامل مع الصغار على أنهم شخصيات لهم اعتبارها ويجب عدم تهميشها . ويجب أن تكون هذه الضوابط التى ذكرناها جنبا إلى جانب الصداقة التى يجب أن تسود علاقة الكبار بالصغار عن طريق إشراكهم فى بعض الأمور التى تخصهم مثل إختيار ملابسهم أو الوجبات التى يتناولونها خارج المنزل والمطاعم التى يأكلون فيها وكذلك إختيار المتنزهات التى يذهبون إليها ودور السينما أو المسارح التى يرتادونها .. كل ذلك يؤكد على ما ذهبنا إليه فى الفقرة السابقة من أن هؤلاء الصغار شخصيات غير مهمشة ولها إعتبارها . وهنا قد يتساءل البعض عما يجب عمله فى حالة وجود إختلاف فى وجهات النظر .. لو حدث ذلك فإننا نوصى الكبار بالإكتفاء بالنصيحة إلا فى حالة وقوع ضرر على أى من الطرفين .. هنا فقط يجب ألا يتنازل الكبار عن رأيهم بأى حال من الأحوال حتى ولو تم تنفيذ ذلك بالقوة . وقد يسوق البعض سؤالا خاصا بالأبناء الأصغر سنا وإختلاف رأيهم عن الكبار فى إختيار الألعاب عند شرائها .. والإجابة لا تخرج عما ذكرناه فى الفقرة السابقة من ضرورة تقديم النصيحة فى مدى ما تقدمه اللعبة من فوائد فى تعليم اللغات أو المسائل الحسابية البسيطة أو تقوية القدرات الذهنية مع توافر جمال الشكل بها مثل ألعاب الفك والتركيب وغيرها مما قد يٌغرى الصغار بتغيير رأيهم وموافقة الكبار مع الأخذ فى الإعتبار الإصرار على الرأى فقط متى كان فى الألعاب التى يختارها الصغار خطورة عليهم كأن يكون سطحها جارحا أو حوافها حادة أو مدببة مما قد يصيبهم بالجروح أو يسبب الأذى أو أن تكون هذه الألعاب غير قابلة للغسيل متى تراكمت عليها الأتربة جراء الإستعمال .. هنا أيضا لابد من فرض رأى الكبار وعدم الضعف أمام إلحاح الصغار أو حتى بكائهم . سؤال آخر .. وماذاعن الهوايات واختلافها بين الأجيال ؟ والرأى عندى أن ذلك وارد بشكل كبير .. وسنضرب لذلك مثالا شائعا فمعظم الكبار هذه الأيام لا تزال عند الكثير منهم هواية الإسترخاء والإستماع إلى الموسيقى الهادئة الحالمة بينما تميل الأجيال الجديدة فى معظمها إلى الإستماع إلى الموسيقى الصاخبة ذات الصوت العالى .. لا بأس وإن كان يجب على الكبار توضيح أهمية الهدوء والإسترخاء للأعصاب وأثر ذلك على الجسم الإنسانى .. فمنهم من قد يستجيب .. أو حتى يجرب .. والأكثرية سوف ترفض .. لا بأس .. لكل جيل خصائصه وعندما يكبرون قد يغيرون رأيهم . مثال آخر .. عن عادات الكبار ومنها عادة القراءة لدى الكبار وانعدام تلك العادة تقريبا عند الأجيال الجديدة نتيجة طغيان التقنية الحديثة ( راجع مقالاتنا فى هذا الصدد ) .. ونسوق للكبار نفس الرأى السابق من محاولات الجذب والتوضيح وبيان الفوائد وعدم الضغط وفرض الرأى وترك الأمور للأيام .. هذا طبعا بغض النظر عن إعجابنا بمهارات الصغار فى التعامل مع هذه التقنية الحديثة وفى نفس الوقت حسرتنا على فقدان عادة القراءة .. ولكن ما باليد حيلة . وبهذا نأمل أن نكون قد أجبنا على معظم ما وصلنا من أسئلة وما تصورنا أنه قد يطرأ على أذهان بعض القراء الأعزاء .. ونحن نرحب بأى أسئلة أخرى تصلنا وسوف نجيب عليها على الرحب والسعة . وإلى موضوعات جديدة ومقالات قادمة بحول الله . بقلم : د. مصطفى عابدين شمس الدين E mail : [email protected] [email protected]