11 سبتمبر 2025

تسجيل

نصرٌ قريب

17 فبراير 2024

في حلقة قرآنية زُرعت وسط أحداث هذه المعركة.. كان وردي منها «آل عمران»، على رغم اعتيادي لحروفها وكلماتها بغناتها بقلقلاتها. إلى أن حان دوري، وكأن حرفًا يشدني تلو الآخر، وكأن آياتها تناديني من بين صفحاتها بعزمٍ تذكرني بالثبات والصبر خلال تلك الليالي، وكأنها تصف مواقف المعركة هي بذاتِ عينها، بتحركاتها وبصفات مجاهديها المؤمنين من جهة وأعدائها المشركين من جهةٍ أخرى. فجأةً وقد طال وردي الذي أتلوه على معلمتي وفقها الله، وقد جف صوتي مقاومةً لحشرجة صوتي ولدموع عيني ليستدرك تتبع الآيات بيسر. حينها، استيقنت نفسي معاني وكأني أراها لأول مرة، وكأنها تتنزل الآن.. الآن.. أدركتُ حينها أن معلمتي وقفت تمامًا على ما أدركته نفسي بذات اللحظة، وأنها دعتني أستكمل للحظاتٍ طوال لأجل موافقة تلك الآيات لهذه الواقعة. أقف معكم بدايةً، وتحديدًا عند قوله: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ). حذارِ أن تضعف بالنظر إلى ما بين أيديهم من دبابات وصواريخ وغيرها وإن كثرت أمام ناظرينا، فالله يكمل قوله: (وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ). ثم إذ بي عند قوله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ). فإن أيد هذا ذاك وصافح ذاك حليفه اليوم لمصلحة مشتركة، فاقرؤوا التاريخ ليروي لكم ما تكنّ صدورهم وواقع عداواتهم بينهم أنفسهم، فهؤلاء قوم قال فيهم تعالى: (بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ) قومٌ يُلبسون الحق بباطل ما يفعلون. هنا.. تمامًا في هذا الموضع انهمرت عيناي بالدمع (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّآ أَذًى وَإِن يُقَٰتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ). ثم إذ بي أصل مطمئنة لقوله تعالى: (يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) وكأنها تذكرني بتاريخهم الأسود المليء بالظلم والهوان والذل الطغيان. ثم إذ بي عند قوله سبحانه: (بَلَىٰٓ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ ءَالَٰف مِّنَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ) لأسترجع تسجيلات بثها المقاومون هناك، إذ يصفون قوتهم وعزيمتهم المُنزلة عليهم رغم هول الموقف. فلا تهنوا ولا تحزنوا لأن الثبات والرباط نصر بحده، فالآيات والقصص جاءت رباطًا لنقتدي بها في تثبيت كل معتصم بحبل الله ورسوله، لا لنثبط بها من حمل راية العزة والشرف، أفلا يكفينا إثم الخذلان!. فاعلموا أن ما مسكم من قرح فقد مس عدوكم مثله وأن الأيام دول بيننا، وأنه لا خسارة لنا ما دمنا متمسكين بذاك الحبل معتصمين به، فالله يتخذ منا شهداء يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وجملةً لكل بعيد خارج حدود هذه المعركة، إن من في أرض المعركة سيصبر لا محالة! أما نحن، ها قد اكسبتنا السنوات السابقة الصلابة والثبات النفسي. ندرس رغم التعب، نعمل رغم المشقة، ونسعى رغم الهم، ونبتسم رغم أنف أنفسنا. فإن ابتلاءنا يأتي على قدرنا، بل من الممكن أن يكون أعظم حتى، لأن الله يعلم أننا أضعف حتى من أن نجاهد بالدماء وتقديم الأولاد والأرواح. فما هو موقفنا اليوم؟ من المقاطعة والدعاء والتأييد والنشر والمباهتة والمجادلة فإن القضية قضية دين وعقيدة بحت، إما أن تساهم بخير أو لا. إن وراء كل ما تحمله هذه الواقعة، تمحيصا لكل مؤمن قريبا عنها كان أم بعيدا فالله يقول: (هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِين) أخيرًا، لستُ أتبعُ السياسة فلا تستقبلها مدارك عقلي حتى! ولكني أحاول أن أدرك وأدون معاني حقيقية نفسية لكل ما يحول ويجول، فلي من الأمر ظاهره وباطنه إلى الله.