31 أكتوبر 2025

تسجيل

الوطن العربي والاحتكارات التكنولوجية

17 فبراير 2015

إن الكثير من عمليات نقل التكنولوجيا وتسويقها لا تؤدي غالبا إلى أي نقل حقيقي للتكنولوجيا من الدول الصناعية إلى الدول العربية وبخاصة في ضوء ضعف الأنظمة العلمية والتكنولوجية التي تقوم بالبحث والتطوير في الدول العربية وعجزها المتزايد عن تلبية حاجات القطاعات الإنتاجية مما يترتب عليه استيراد التكنولوجيا وبالتالي تعميق التبعية الاقتصادية والتكنولوجية.وفي عملية نقل التكنولوجيا تلجأ الشركات المتعددة الجنسيات إلى إستراتيجية جديدة تقوم على تجزئة عملية استثمار نقل التكنولوجيا جديدة إلى مكوناتها الأساسية ووضع هذه المكونات في شكل خدمات ذات محتوى تكنولوجي وتقديم كل خدمة من هذه الخدمات على حدة بعقد منفصل، فمثلا تقدم عقود دراسات الجدوى ومسح الأسواق قبل الاستثمار منفصلة، ثم عقود الخدمات الهندسية المتمثلة في تصميم الوحدة الإنتاجية واختيار العقود والآلات تقدم بشكل منفصل ثم عقود وعمليات التشييد وإقامة الآلات، وفي النهاية تأتي سلسلة الخدمات والأداءات المرتبطة بعملية تشغيل الوحدة الإنتاجية من إدارة وتدريب وتسويق وصيانة وغير ذلك، ومن ثم عرفنا ما يسمى عقود نقل التكنولوجيا.. ومن هنا نكتشف أن الشركات المتعددة الجنسيات تلجأ إلى طرق متعددة تدور في محورين هما: المحور الأول: جعل عقود الترخيص والنقل للتكنولوجيا نقطة انطلاق للسيطرة على نشاط المشروع المرخص له ومن ثم لاستمرار سيطرتها على الأصول التكنولوجية التي تفضلها، ويتم ذلك من خلال ما يسمى الممارسات المقيدة. المحور الثاني: استخدام عقود النقل والترخيص من أجل تكوين تدفقات إضافية من السلع والخدمات، وهذا يكشف أن التكنولوجيا سلعة ذات طبيعة خاصة لا تباع لذاتها وإنما لخلق تدفقات مصاحبة من السلع والخدمات، ويتم ذلك في إطار من الشروط المقيدة والتي لا تسمح بالتنافس في مجالات التسويق أو في مجالات الإنتاج ذاتها. حيث تعمل على عدم تمكين متلقي التكنولوجيا من اكتسابها بشكل أصيل ومن تطويعها ومن تطويرها.. ومن أهم سبل ذلك تقديم التكنولوجيا على شكل حزمة تؤلف مكوناتها كلها كلا واحدا لا يتجزأ سواء أكان ذلك بمقتضى شرط في عقد الترخيص أم من خلال دراسات الجدوى التي تسبق إبرام عقد الترخيص الذي يقوم بها غالبا بتوصيات محددة بشأن اختيار التكنولوجيا وما يتبعها من سلع وخدمات ضرورية يساعد عيها ضعف الموقف التكنولوجي والعلمي للمتلقي ومن ثم ضعف موقفه التفاوضي. التكنولوجيا ومشكلات الوطن العربي: لا يستطيع من يتعرض لمشكلات التكنولوجيا في الوطن العربي أن يغفل أهم المشكلات التي تتصدر قائمة مشكلات الوطن العربي في التكنولوجيا. وبعيدا عن تلك الفجوة الهائلة بين البلدان العربية والدول المتقدمة في التكنولوجيا، وبخلاف دور الشركات متعددة الجنسيات في السيطرة على عمليات نقل التكنولوجيا فإن أهم مشكلات الوطن العربي هي هجرة الفنيين المهرة – والتي تسمى بالهجرة العكسية – من البلدان العربية إلى البلدان المتقدمة. وتشير البيانات الصادرة عن مؤسسة العالم الوطنية بالولايات المتحدة الأمريكية أنه في الفترة ما بين عام 1961 – 1975 كانت البلدان النامية، ومنها البلدان العربية بالطبع توفر لأمريكا ما يقرب من 37% من مجموع المهاجرين المهرة.. أما الآن فقد أصبحت توفر ما يقرب من 80% من مجموع هؤلاء المهاجرين وأيضا يفيد تقرير منظمة الصحة العالمية أن سوريا وإيران تقدمان ما يقرب من 40% من مجموع أطبائها إلى كندا، وبريطانيا، والولايات المتحدة. إن أهم الخسائر المترتبة على هذه الهجرة تتلخص فيما يلي: - الآثار السلبية على برنامج الإنتاج المحلي بمختلف مستوياته نتيجة نقص العقول العلمية التي هي الضمان الأساسي لأحداث استمرارية عملية الإنتاج. -تسبب هجرة الأيدي العاملة تزايد أعباء موازنات البلدان نتيجة الحجم المنفق منه على البرامج لإعداد وتأهيل العقول الفنية التي هاجرت والتي في طريقها إلى الهجرة. - العائد السيئ على معظم السكان حيث تزداد عملية التدريب صعوبة نتيجة هجرة الكوادر الفنية. - عدم الاستفادة من التيارات العلمية المعاصرة لعدم توافر الخبراء المواطنين الذين هم حلقة الوصل بين هذه التيارات وبلادهم. - صعوبة تحقيق تصميمات محلية لصعوبة إجراء عمليات الفك والتكييف التكنولوجيين نتيجة هجرة العقول القادرة على استيعاب ذلك. وبالتالي فقد ترتب على هذه الهجرة انخفاض معدلات التنمية وزيادة معدلات تخلفها وزيادة الفارق الزمني من أجل اللحاق بالبلدان المتقدمة، وقد قرر هذا الفارق الزمني بنحو 80 عاما. كذلك تأمين المناخ المناسب للشركات متعددة الجنسيات ودولها الأم لمزيد من استنزاف ثروات البلدان العربية. والمشكلة الثانية وهي اعتماد الدول العربية على مكاتب وهيئات استشارية أجنبية في عمليات الخدمات الاستشارية للبناء التكنولوجي، وهذه الهيئات تستنفذ موارد مالية ضخمة وقد تأتي باستشارات غير متفقة مع الواقع القومي للبلد محل التنفيذ. والمشكلة الثالثة عدم وجود تكامل صناعي عربي وذلك من أجل إقامة مشاركة تنموية تكنولوجية، وهذا التكامل الصناعي يحتاج إلى قرار سياسي عربي يجعل من الصناعة درعا واقية للاقتصاد العربي. والمشكلة الرابعة: إن المسؤولين في الدول العربية يعتبرون العمل في العلوم الأساسية والمجالات الأخرى القابلة للتطبيق نوعا من أنواع الترف.. وكذلك عدم امتلاك سياسة معلنة وواضحة للعمل والتكنولوجيا وهذا بسبب المستوى المنخفض وضيق الفكر لدى البيروقراطية والتي يسيطر عليها مجموعة من الناس يهتمون كثيرا بالتعليم والعلم وينظرون إلى العلم باعتباره خدمة من الخدمات في البنية الإدارية. الوطن العربي ومستقبل التكنولوجيا: إن التكنولوجيا باعتبارها تطبيقا للعلم سوف يظل حجر الزاوية لأي تقدم صناعي أو اقتصادي في الوطن العربي.. ومن يملك التقدم العلمي يملك قرار نفسه بل ويملي شروطه على من يعوزهم العلم والتقديم.. ولذلك فإن المستقبل التكنولوجي في الوطن العربي هو الذي يستطيع أن يجعل الصناعة درعا واقية للاقتصاد – كما سبق ذكره – وخط مواجهة صلبا ضد أي من الأزمات الاقتصادية المتتالية سواء أكانت مرهونة بالقرار السياسي العربي ذات صفة محلية أو دولية.. وكذلك دراسة قضية التكنولوجيا للمنطقة العربية وتطبيقها وبناء صرح عربي للتكنولوجيا قائم على نماذج عربية.. والأهم من ذلك قضية استثمار العقول العربية والمهارات داخل الوطن العربي وخارجة. والسؤال الذي يتعين طرحه دائما: كيف يواجه العرب تحديات التكنولوجيا مع استمرار هجرة الخبراء إلى الخارج..؟ إن المطلوب حاليا هو استثمار العقول العربية والخبرات والمهارات داخل الوطن العربي وخارجه.