13 أكتوبر 2025
تسجيلمن أخطر موضوعات كتاب (في الأدب الجاهلي) للدكتور طه حسين تلك الموضوعات الأولى من الكتاب التي تحدث فيها طه حسين عن تدريس الأدب في جامعاتنا. حيث كان ينتقد بشدة مناهج وطرق تدريس الأدب العربي، وقد قوبلت آراؤه في هذا الموضوع بتجاهل كبير يرجع غالباً إلى ما أثير حول بعض عبارات أخرى وردت في الكتاب وحملها خصومه اتهامات عديدة أدت فيها السياسة دوراً كبيراً. وكأنها هي كل ما في الكتاب من أفكار مع أن الرجل قام بتغييرها ولم تعد موجودة في الطبعات الحالية من عام 1928 حتى اليوم. وفيما تلا ذلك من سنوات، سارت دراسة الأدب العربي في جامعاتنا في مسارات جامدة لا تقبل المساس بها، وكأنها من المقدسات. فأصبح الأدب يقسم إلى عصور تاريخية تبدأ بالعصر الجاهلي فالإسلامي والأموي فالعباسي فالأندلسي فالعصر الحديث. وغالباً ما تكون الكتب الدراسية التي يقررها أساتذة الأدب على الطلاب وفقاً لهذا التقسيم غارقة في تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ثم تأتي إشارات إلى حركة الشعر في كل عصر يغلب عليها الابتسار والعجلة. والأمر الأسوأ أن كثرة كتب الأدب التي تجري على هذا التقسيم ينقل بعضها من بعض، ويكاد معظمها أن يكون صوراً مشوهة من موسوعة الدكتور شوقي ضيف (تاريخ الأدب العربي) الشهيرة. وقد اقترح بعض الدارسين – خروجاً من هذا المأزق – أن يتم تدريس الأدب العربي على هيئة فنون فيدرس مثلاً الشعر مقسماً إلى أغراضه التقليدية: من مدح وغزل ورثاء وفخر ووصف. وتدرس الرواية باتجاهاتها المختلفة وكذلك المسرح والقصة القصيرة. غير أن هذا الاقتراح لا يصلح بديلاً لدراسة الأدب موزعاً على العصور التاريخية التي ألفها الباحثون وطلاب العلم لما في الاقتراح الجديد من صعوبات فنية وندرة المراجع التي تغطي متطلبات هذا الاقتراح الجديد. كما أن هناك محاذير أخرى تتعلق بدراسة الأدب على ضوء ذلك الاقتراح منها غموض معايير اختيار النصوص التي ستعكس – مع كل مؤلَّف – شخصية صاحبه وذوقه الخاص. إن تداعيات العولمة أو الكوكبية المطروحة الآن بقوة على مجتمعاتنا العربية تجعل من المحتم علينا أن نعيد التفكير في تدريس الأدب في جامعاتنا لعدة أسباب: أولها: أن الأدب هو مرآة الشعوب العاكسة لهويتها وثقافتها ونحن بحاجة إلى تبادل المرايا مع شعوب العالم جميعاً بمعنى أن أدبنا الذي يترجم لابد أن يخضع لمعايير نشارك نحن في وضعها ولا نترك الغرب يختار من أدبنا ما لا يعبر إلا عن شخصية كاتبه لا شخصية مجتمعه. كما أننا بحاجة إلى أن ندرس (الآخر) من خلال أدبه. ثانيها: أن دراسة الأدب في جامعاتنا تتجاهل الآداب العالمية وما تزال تقف عن بعض رموز الأدب العالمي التي أصبحت تراثاً من كثرة تداولها وتكرارها. ثالثها: أن تدريس الأدب في جامعاتنا يقف عن حدود الأدبين الإنجليزي والفرنسي وما زال لدينا جهل كبير بالآداب الإفريقية واللاتينية والآسيوية. فنحن لا نعرف عن آداب أميركا اللاتينية إلا النزر اليسير عن أولئك الذين فازوا بجوائز دولية مثل جائزة نوبل مثلاً. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن معرفتنا بالآداب الصينية واليابانية وغيرها من شعوب آسيا البعيدة. كما أن معرفتنا بالأدب الإفريقي تكاد تكون مقصورة على ما تُرجم منه إلى لغات أوروبا. مع أن الأوروبيين في اختياراتهم لا يترجمون إلا ما يرون فيه شبهاً بثقافاتهم. إن تحديات العولمة والبث المباشر والتداخل الثقافي بين دول العالم تفرض علينا أن نعيد النظر بجدية واهتمام في طريقة دراستنا لأدبنا العربي من جهة، وفي نظرتنا إلى آداب العالم من حولنا من جهة أخرى، فلم يعد من المنطقي أن ينشأ الشاب في شرق الوطن العربي وهو لا يعرف شيئاً عن أدب بلاد المغرب ثم ندعو بعد ذلك إلى الوحدة الثقافية ونتغنى بوحدة التاريخ. لقد نبغ أسلافنا وفرضوا ثقافاتهم على العالم بعد أن وحدوا معايير أدبهم، وترجموا آداب العالم وهضموها فصنعوا نوعاً رائعاً من العولمة في عصورهم تلك الزاهرة أشد وأقوى أثراً مما يحاول الغرب التكريس له حالياً.