14 سبتمبر 2025
تسجيلنارٌ وغضب هو عنوان كتاب ألَّفه الصحفي الأمريكي (مايكل وولف)، وقد أثر ضجة في الأوساط الأمريكية، نظراً لتعرّضه لشخصية الرئيس الأمريكي ( دونالد ترامب) ومواقفه من القضايا المحلية والدولية! حيث يذكر المؤلف وقائع تحدث في البيت الأبيض، ويتهمه بأنه غير مؤهل لقيادة الولايات المتحدة! وشكك الكتاب في مصداقية الرئيس الأمريكي، وأنه غريب الأطوار وسطحي التفكير، وليست لديه خبرة في صناعة القرار السياسي، كما وصفه بأنه شبه أميّ كونه لا يقرأ، وأنه شديد الغضب، وأن من حوله لا يستطيعون مخالفة آرائه تجنباً لغضبه! ومن أهم ما جاء في الكتاب تصريحٌ للمستشار السابق للبيت الأبيض (ستيف بانون) الذي ذكر بأن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) قام مع صهره (جاريد كوشنير) بالتخطيط لانقلاب في المملكة العربية السعودية، مضيفاً أن (ترامب) قد صرّح بالقول: "لقد وضعنا الذي يخصّنا بالمملكة على القمة"! ورأى محللون في مثل هذا التصريح أن ارتماء السعودية بهذه الطريقة في الحضن الأمريكي هو بداية تطورات خطيرة في المنطقة، بدأت بصفقة القرن، والاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني. في الوقت الذي تحفظت المملكة العربية السعودية ومصر على طلب الأردن عقد قمة طارئة لمواجهة قرار الرئيس الأمريكي وإعلانه (القدس) عاصمةً أبديةً للكيان الصهيوني. ولقد تعللت الدولتان بوجود قمة عربية في شهر مارس بالرياض، ولكأن قضية القدس ليست بذات الأهمية كي تُعقد لها قمة استثنائية تردُّ على قرار (ترامب). جرت هذه الأحداث الأسبوع الماضي في وقت بدأ فيه الإعلام المصري بتهيئة الشارع المصري والعربي بقبول (رام الله) عاصمة للدولة الفلسطينية، بدلاً عن (القدس)!؟ إن هذا تحوّلٌ خطير تقوده الولايات المتحدة لسلب (القدس) عن محيطها العربي والإسلامي، دونما احترام لمشاعر الملايين من المسلمين في أنحاء المعمورة. وفي الوقت الذي تعلن فيه الولايات المتحدة محاربتها للإرهاب، فإنها بهذا التحدي الخطير تُهيئ الأجواء لموجات من ردود الأفعال تقترب من الإرهاب، لأن الظلم يورث القلق والغضب الذي يتحول إلى استخدام العنف ضد ما يهدد المقدسات الإسلامية، وحقوق المسلمين والمسيحيين والعرب كافة في فلسطين. إن ما جرى في المملكة العربية السعودية مؤخراً انقلابٌ حقيقي على مبادئ سيادة الدولة، وسيادة التاريخ الطويل لسياسة الحكم في المملكة، ولعل أهم مظهر لذلك الانقلاب تشطير الأسرة الحاكمة، وتسلسل نظام الحكم فيها في أبناء وأحفاد الملك (عبدالعزيز آل سعود)!؟ كما إن وضع أبناء وأحفاد (آل سعود) رهن الإقامة الجبرية، ومصادرة أو التحفظ على ممتلكاتهم واتهامهم بالدخول في قضايا فساد، ظاهرة خطيرة، قد تجرُّ وراءها موجات من الغضب والسخط داخل الأسرة، قد تتوافق عليها أطراف مهمة في بيت الحكم السعودي، ما يُنذر بتطورات خطيرة قد لا يتنبأ بها كثيرون. ولقد اعتمد قصر الحكم في الرياض منذ استعادة الملك (عبدالعزيز) لمدينة الرياض عام 1902، وفي عام 1932 تم توحيد المملكة تحت اسم (المملكة العربية السعودية) وهي مملكة ثالثة في تاريخ السعودية؛ اعتمد على المساجد أو الدين في المقام الأول، وما حصل مؤخراً من اعتقال أبرز رجالات الدين المتنورين في السعودية يصبُّ في خانة زعزعة علاقة الحكم بالشعب الذين يمثلهم رجال الدين، فإذا ما أضفنا هذا التشطير والتشقق في المؤسسة الدينية إلى التشطير والتشقق في بيت الحكم السعودي، فإن المملكة مقبلة على تطورات جديدة، قد لا تنم عن انفلات الزمام، ودخول البلاد في فوضى عارمة وحسب، بل قد يؤهل بعض الأقليات إلى التحرك وإعلان مطالبات بتقرير المصير، كما حصل مع أكراد العراق قبل فترة، وكما فعل (الأحوازيون) في إيران. وتم نصب المشانق على الرافعات الصفراء!؟ لا أستبعد أن يكون كتاب (نار وغضب) Fire and Fury بالونة اختبار لمدى جدّية (ترامب) في قيادة الولايات المتحدة – كما سبق – وتفرّدها بأقدار الشعوب، وأن (ترامب) التاجر يختلف عن سابقيه في تطويع علاقات الولايات المتحدة مع دول النفط الغنية، لمصلحته أولاً ثم لمصلحة الولايات المتحدة. كانت دول الحصار قد لامَت قطر، انطلاقاً من فوقية زائفة، بأنها وطّدت علاقاتها مع الولايات المتحدة عبر إنشاء قاعدة (العديد)؟ ونحن نعلم أن القواعد الأمريكية موجودة منذ بداية التعاون العسكري الأمريكي / السعودي في بداية السبعينيات، كما يوجد في قاعدة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الجوية 5 آلاف جندي أمريكي و80 مقاتلة أمريكية. كما توجد عدة قواعد سرية منها قاعدة لطائرات بدون طيار تديرها وكالة الاستخبارات المركزية ( C.I.A) استخدمت لملاحقة عناصر (القاعدة) عام 2011. كما أن صفقة القرن سوف يكون وراءها الكثير من المطالب الأمريكية بينها إنشاء قواعد أمريكية ومعاهد تدريب وغيرها من الأمور العسكرية اللوجستية. وإذا ما أضفنا كل ذلك إلى خصخصة شركة (أرامكو) وإدخال أسهمها في بورصة (نيويورك)، فإن وجهاً جديداً سيظهر في المملكة لم يعهدهُ الشعب السعودي!؟ وأن اللجام الحاسم سيكون في يد الولايات المتحدة، خصوصاً بعد أن "وَفت" المملكة العربية السعودية بالوعود التي أعلنها (ترامب) في حملته الانتخابية – كما نتذكر- من أن أموال النفط العربية لا بد أن تأتي إلى الولايات المتحدة! وهذا ما حصل بعد القمة الخليجية الأمريكية في الرياض العام الماضي، حيث عاد (ترامب) ومعه عقود تصل قيمتها إلى 350 مليار دولار ممثلة في صفقات سلاح، وصقفة أخرى لسلاح الجو السعودي قيمتها 60 مليار دولار!؟ ناهيك عن أن شركة (أرامكو) تنفق سنوياً 65 مليار دولار على سلع وخدمات الموردين الأمريكيين، حسبما أعلنه الرئيس التنفيذي لشركة (أرامكو) أمين الناصر. (موقع مصراوي) ونحن تُسعفنا الذاكرة أن نعيد للأذهان ما قاله (ترامب) أثناء حملته الانتخابية، من أن حماية السعودية لن تكون بدون ثمن!؟ مشيراً إلى أنه "إذا كانت السعودية التي تكسب مليار دولار كل يوم عن طريق النفط، وتحتاج إلى مساعدتنا وحمايتنا، فإن عليهم أن يدفعوا ثمناً كبيراً". لقد تأثر الوضع المالي للسعودية بسبب انخفاض أسعار النفط، وكان صندوق النقد الدولي قد توقَّع أن العجز في موازنة المملكة العربية السعودية لعام 2015 قد وصل إلى 20% من الناتج المحلي. معلوم أن الحرب على اليمن قد استنزفت بشكل واضح ميزانية المملكة، وإذا ما علمنا بأن تكلفة طائرات (الأواكس) تصل إلى 250 ألف دولار في الساعة، ما يعني 6 ملايين دولار يومياً، وأن تكلفة قمرين صناعيين يُستخدمان في الحرب على اليمن تصل إلى 48 مليون دولار يومياً (حسب مجلة فورين بوليسي)، وأن مجمل التكلفة قد بلغت 54 مليار دولار خلال الستة أشهر الأولى من عام 2017، فإن هذا الاستنزاف يعتبر مخيفاً، ويبعث على التساؤل: إلى أين تسير هذه السياسات .. في وقت يسكن ثلثا السعوديين في بيوت مستأجرة؟! إن الوضع يحتاج إلى (عودة الوعي)، ويجب ألا يُسمح للولايات المتحدة باستنزاف موارد الشعب السعودي، مهما كانت الدوافع، وعلى أهل الحل والعقد أن يدلوا برأيهم في هذه القضية. سيظهر كتاب آخر بعد كتاب (نار وغضب)، وسيكشف المزيد من الحقائق التي تُثبت تلاعب البعض بأقدار شعوبها، ورهن مستقبلها بيد المجهول!.