12 سبتمبر 2025

تسجيل

أم الندامات

17 يناير 2016

يخون الإنسان نفسه دون علم في الكثير من الأمور التي تشكل مفاصل مهمة في مشوار حياته، وتلك الخيانة قد تكون بجهل غير متعمد ولكنها قد تكون أرضية خصبة تنمو عليها الكثير من المشكلات ولا أرى أرضاً خصبة يزرع فيها الإنسان شوك حياته أكثر من أرض الاستعجال التي تجعلنا نتخذ القرار غير المناسب في الوقت غير المناسب، لذلك سمي الاستعجال (بأم الندامات) لأنه لا يورث إلا الندامة.فليس من رجاحة العقل والحكمة أن يتصف أي منا بصفة الاستعجال التي نسعى من خلالها دون أن نعلم لمسابقة القدر الذي هو عدو النجاح ونقيض التوفيق وطارد الرزق وفي ذات الوقت لا يزرع في أنفسنا إلا القلق والخوف واليأس والانفعال ولعل الإنسان جبل على محبة الاستعجال والنفس تؤدب ولا تترك، وكل منا يعيش وهو يبحث تحقيق أحلامه اليوم وليس غداً ولكن الحكمة تتطلب أن نعود أنفسنا على عدم الاستعجال ونجعل الأقدار تأخذ دورتها وأسبابها لكيلا نورث لأنفسنا ندامات تلو أخرى، لذا كان الصبر دائماً عنوان النجاح والتأني دليل الحكمة والتريث صفة العقلاء وإن آفة العدالة في الأمور كلها هو الاستعجال لأننا حينما نستعجل فإننا نقول ما لا نعلم ونعلم ما لا نفهم ونجعل العقل يفقد ميزة التفكير.إن الحياة ظروف متباينة تختلف في أعاصيرها وغيثها وموجها والتعامل مع مناخات الحياة لا يستقيم لمن تعجل أمرها لأنه يثير الفوضى فيها فمن أراد أن يدرك حياته ويرفع مقامه ويكثر رزقه ويعز بمنزلته ويحفظ وده فعليه بالرفق والتأني والتريث قبل العزم في القول والعمل وهي ثقافة فكر يعرفها من غاص في ظروف الحياة وعرفها وكلنا نعلم أن لطافة الماء لا يقف أمامها قوة الصخر فصبر الماء اللطيف يكسر جمود الصخر الكبير وسيل الوادي الجارف لن يجري إلا من نقاط المطر على الأرض فليس في الاستعجال حياة والفرص تلتقط مع الصبر والانتظار.مشكلتنا في هذا الزمان أننا نعيش عصر التسارع لا نترك الأيام تأخذ دورتها والزمان يسير مساره وشبابنا اليوم يريدون أن يحققوا كل أحلامهم في سنة واحده يرفضون التدرج ويسعون بأن يصعدوا السلالم من أعلاها فيسقطون وينكسرون فتصبح حياتهم عثرات لا تنتهي ومن حكمة الله في كل خلقه أنه قال (إنا كل شيء خلقناه بقدر) فلكل شيء وقت وزمان وقدر مقدور فلا الليل سابق النهار ولا النهار سابق الليل فلماذا العجلة في أقدار قدرت وأرزاق سجلت ومواقيت وقتت، ولكنه عملٌ واجتهاد وسعي خلف الأسباب، والأبواب لا تفتح إلا بقرعها وخير الأمور الوسط فلا عجلة تورث الندامة ولا تكاسل يورث التأخر ولا تواكل يورث الحاجة.إن حصد النتائج والثمار لن يكون إلا بالصبر حتى المحاولات الفاشلة تكون ذات قيمة عندما نصبر عليها.