19 سبتمبر 2025

تسجيل

ظروف الكتابة الصحفية الناجحة

17 يناير 2016

بعضنا يقرأ مقالات لكتّاب منذ ثلاثين عاما، دون أن يلحظ أي تغيّر على أفكار بعض الكتاب، ولا على حصيلتهم اللغوية، أو مدى متابعتهم للأحداث والموضوعات التي تهم المجتمع. وتبدو بعض تلك الكتابات انطباعية وشخصية ولا تفتح آفاقا للحوار أو التفاعل، وكأن الكاتب لا يرى غير غرفته وأثاثها المحدود.ومن المعروف في عالم الكتابة، أن الذي لا يقرأ لا يستطيع الكتابة الناجحة والمؤثرة. فالقراءة تأتي بالجديد من الأفكار والمعلومات، أما الكتابة فهي ترديد لما يعرفه الكاتب ويكون مخزّنا في عقله. وكلما قرأ الكاتب زادت حصيلته (الموضوعية واللغوية)، وبالتالي يكون أكثر قدرة على التعبير أو الاستنباط أو التحليل، وبالتالي الإتيان بأفكار جديدة غير مكررة. أما الذين يعتمدون على الغير في كتابة مقالاتهم فهذا مبحث آخر.والقراءة المتخصصة المُعمقة هي التي تخلق الكاتب المتخصص، والذي نفتقده في العديد من صحفنا ومجلاتنا في العالم العربي. والقراءة لا تكون في أخبار الصحف فحسب، بل في الرجوع إلى المراجع الموثقة التي تدعم الموضوع المثار. وهي التي تقدم للقارئ الحجة والموثوقية لقبول رأي الكاتب.ولئن كانت القراءة محفزا مهما لتطوير أدوات الكاتب، فإن سلامة اللغة التي يكتب بها الكاتب من الأساسيات التي تدعم توارد الأفكار وانتقاء الجُمل والتراكيب بصورة إبداعية بعيدة عن النمطية المكررة. ومع التقدير لوجود مصححين أكفاء في الجريدة أو المجلة، إلا أن سلامة اللغة لدى الكاتب تجعله في منأى عن النقل أو تكرار الأساليب والأشكال السابقة. كما أن سلامة اللغة تفتح الآفاق للكاتب بأن يأتي بمكونات لغوية ومصطلحات تدعم ما يرمي إليه.الموضوع الثالث في قضية الكتابة الصحفية الناجحة هي سعة الأفق وثراء الثقافة العامة. إن اطلاع الكاتب على النماذج الأخرى، حتى بلغات أخرى، توسع مداركه، وتعينه على الإتيان بالجديد غير المكرر. والثقافة العامة لا تتأتى إلا بالقراءة وسماع الإذاعات، ومشاهدة المحطات التلفزيونية، وأيضا ما يدور في وسائل التواصل الاجتماعي. وقديما قالوا: "اعرف شيئا عن كل شيء، وليس كل شيء عن شيء)!! وهذه القاعدة تعنى توسيع المدارك والإحاطة بمختلف أوجه الحياة.الموضوع الرابع الذي يضمن كتابة صحفية ناجحة هو التخصص! مع التقدير لوجود كتّاب أعمدة يخوضون في كل الموضوعات المثارة! وهنالك حتميات لمثل هذا الخروج على التخصص في حالة وجود قضية رأي عام، تخص حياة المجتمع وأمنه الوطني وسلامة الناس واستقرارهم، فهذا يتطلب أن يساهم جميع الكتاب في ذلك، وتلك مسؤولية وطنية قبل أن تكون مهمة صحفية، إلا أننا نتحدث هنا عن الظروف العادية، إذ لا يجوز أن يتحول كاتب المقال النقدي الفني إلى محلل سياسي، ويخوض في قضية سياسية متخصصة جدا، ولها أبعادها وظروفها التي لم يتابعها الكاتب. والتخصص يدعم الخلفية الثقافية للكاتب ويجعله أكثر حجة، لأنه سوف يرجع إلى المصادر التي تعينه على دعم موقفه، ناهيك عن أن أمانة الكلمة تحكم بألا يغيّر الكاتب موقفه السابق بتبدل الظروف، لأن القارئ سوف يسجل عليه ذاك الموقف، وإذا ما سقطت أو اهتزت مصداقية الكاتب عند القارئ، فإنه لن يلتفت إلى المقال، مهما كانت قويا أو صاخبا. وهناك كثيرون تحولوا من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين تبعا لظروف المعيشة والفوز بأكبر قدر من "الكعكة"!