11 سبتمبر 2025

تسجيل

ذكريات مع بطل العروبة

17 يناير 2015

يوم الخامس عشر من يناير له ذكرى طيبة فى نفوس الكثير من البشر .. والحقيقة أن هذا اليوم لمن كان فى مثل عمرى – ما يزيد عن الستين عاما – ليس يوما عاديا بأى حال من الأحوال .. والسبب فى ذلك أن هذا اليوم يصادف يوم مولد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر . وجمال عبد الناصر ليس مجرد رئيس كان يحكم أكبر الدول العربية لعدد من السنوات وله ما له من نجاحات وإنجازات .. وعليه ما عليه من إخفاقات .. فهو فى النهاية بشر .. ولكنه بالقطع ليس ككل الناس . وأنا أعرف منذ فكرت فى كتابة مقالى هذا أننى قد لا أستطيع أن أضيف شيئا جديدا لما كتبه آلاف الكُتاب عن هذا الرجل .. بطل الفالوجا فى حرب فلسطين .. ومؤسس جماعة الضباط الأحرار .. وقائد ثورة الثالث والعشرين من يوليو التى أطاحت بالملكية فى مصر .. ووضعت حدا للحكم الملكى للعائلة العلوية والذى كان قد وصل إلى حد غير مسبوق من الفساد .. وفوق كل هذا فهو بطل العروبة .. وباعث القومية العربية .. وهو من جعل الإنسان العربى فى وطنه وفى كل مكان فى الدنيا يرفع رأسه عاليا فى شموخ وكبرياء بعد أن تجلت أمام عينيه معنى المواطنة الحقة .. وهذا طبعا ليس كل شئ عن هذا الزعيم الذى استحوذ على حب الملايين فى جميع أنحاء العالم .. ولكننى سأحاول أن أكتب عن ذكريات جيلنا .. وذكرياتى الشخصية . أول هذه الذكريات الجميلة حقا هو أننا كنا فى مدارسنا نحتفل فى هذا اليوم ب " عيد الطفولة " .. وكنا ننتظر هذه الإحتفالات بفارغ الصبر .. ليس فقط من أجل ما يتخلل هذه الإحتفالات من أغنيات وموسيقى ورقصات جماعية .. ولكن لأن هذا الإحتفال كان خاصا بالأطفال .. فقد كان كل من فى المدرسة يتعامل معنا بشكل يختلف عن باقى أيام العام .. ويقدمون لنا الحلوى .. ويحكون لنا أجمل الحكايات .. والتى غالبا ما يكون أبطالها من الأطفال فى مثل أعمارنا .. وهذا شئ فى غاية الإثارة لمن يعرف نفسية الأطفال . حتى فى المنزل .. كان والدى - رحمة الله عليه - يلبى كل طلباتنا فى هذا اليوم لأنه يوم الطفولة .. وكانت أختى الكبيرة - أطال الله عمرها - تقص علينا حكايات أروع من تلك التى استمعنا إليها فى المدرسة فى الصباح . الأمر ليس بهذه البساطة كما يبدو .. ولكن أن نسمع عن حقوق الطفل وما له من حقوق لدى الدولة والمجتمع كان يرقق قلوبنا نحو أطفال فى مثل أعمارنا لا يجدون المأوى المناسب .. أو المأكل والملبس الذى يليق بالأطفال .. بل كان الأمر يفوق ذلك بدعوة بعضنا للتبرع بما يفيض علينا لهؤلاء الأطفال . وأتذكر واقعة شخصية حدثت لى فى مثل هذا اليوم عندما زار الرئيس عبد الناصر مدينة دمياط التى كنا نعيش فيها نظرا لظروف عمل والدى .. وإختارتنى مديرة المدرسة لتقديم الزهور للرئيس ترحيبا بمقدمه .. وما كان هناك من تعليمات – تم تنفيذها على الوجه الأكمل – من ضرورة إرتداء ملابس نظيفه وأن أصفف شعرى جيدا .. إلى آخر ما يمكن أن يقال فى مثل هذه الظروف .. حتى كانت الزيارة ووصل الزعيم بالقطار وكنت هناك ضمن من ينتظرونه فى محطة القطار .. وبعد وصول الزعيم سمعت هدير الآلاف وهى تهتف باسمه عن حب حقيقى .. ألم أقل لكم أن هذا الرجل إستطاع بما حباه الله من " كاريزما " أن يمتلك شغاف قلب كل من يراه ولو كان ذلك عن بعد . حتى جاءت اللحظة الحاسمة ووجدت من يشير إلى للتقدم نحو الزعيم وتقديم الزهور التى أحملها له .. وتقدمت .. ووجدته يبتسم لى إبتسامة تخلب الألباب جعلتنى أشعر بقشعريرة تجتاح جسمى كله .. وقدمت الزهور .. وإنحنى الزعيم ليقبلنى فى جبهتى .. ووجدت نفسى – دون سابق ترتيب – أقول له أننى أريد أن أحضر الإحتفال معه .. إبتسم الرجل موافقا .. وأشار إلى شخص كان يقف وراءه بتلبية رغبتى .. وأخذنى الرجل من يدى بعد أن أخبر من كان معى من المدرسة بأن رجال الحرس الجمهورى سيقومون بتوصيلى إلى منزلى . وكنت أسعد إنسان فى الدنيا فى هذه اللحظات وأنا أجلس فى الصفوف الأولى وأشاهد محبوبى وهو يلقى خطابه .. ومدى ترحيب واستجابة الجماهير الغفيرة له . ولكننى كنت أكثر سعادة عندما وصلت إلى منزلى ممسكا بيد ضابط الحرس الجمهورى وقد خرجت أسرتى والجيران جميعهم وقد تحلقوا حولى وهم يطلقون الزغاريد ويهتفون بإسم الزعيم وهم يقبلوننى .. وأترك للقارئ الكريم الفرصة كى يتخيل ما حدث لطفل فى مثل عمرى فى المدرسة فى اليوم التالى . رحم الله عبد الناصر .. كم كان عطوفا وحنونا .. بالإضافة إلى كل ما يعرفه الناس عنه . وإلى اللقاء فى مقال قادم وموضوع جديد بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين [email protected] [email protected]