14 سبتمبر 2025
تسجيللأول مرة في حياتي تلسع يدي طماطة اقصد جمرة وفقاً للصندوق الصغير الملتهب الذي يضم بين جنباته الحبات الحمراء التي أصابها إعصار تسونامي الأسعار، ففي حين أن موجات الغلاء وبكل أسف تعرف طريقها جيدا ولا تضل الطريق فإن موجات الرخص هي التي ضلت الطريق بل إنها أصبحت من دون تردد، غير أنّ الملاحظ في الموجة الأخيرة هي القفزة غير المعتادة، فالغلاء نسبياً أمر لا مفر منه قياساً للمؤثرات ووفقاً للقوة الاستهلاكية، وليست الشرائية ولن أخوض في تحليل اقتصادي ينبني على فرضيات قد تخطئ وقد تصيب، وهي على كل حال توقعات في ضوء المعطيات شأنها بذلك شأن الأرصاد الجوية وآمل ألا تكون على غرار نشرة الأحوال الجوية قبل عقدين إذ بالمذيع يقول ويكون الجو غائما جزئيا وستنزل حبيبات صغيرة من المطر إلاّ أنّ المطر نزل وأوشك أن يغرق المدينة وما جاورها، وحينما تحتضن كيسة ليمون أبو زهيرة وتطبطب عليها فإن هذا حتماً لم يأتي من فراغ ولا تستطيع أن تطبق عليه المثل القائل (من تغلي يخلى لو هو بالحيل غالي)، أدرك بأنّ تغيير النمط الاستهلاكي هو أحد الحلول وهو أمر ليس بالأمر الهين لاسيَّما وأن الشهية لا تتعامل مع الحرمان بقياس العقل بل بقياس العاطفة،إلا أن الوعي الاستهلاكي بمفهومه الشامل من شأنه علاج كثير من الأمور، الاتزان في هذه الناحية من الأهمية بمكان وهو أن توائم بين الحاجة ومقدار هذه الحاجة وهذه المسألة تقديرية، وهناك حتماً ما يفيض ولكن بنسبة معقولة، قد تصل إلى الربع كحد أعلى وليس إلى الضعف، ومن النصائح التي قد تفيد فيما يخص الاستهلاك هي عدم اصطحاب الأطفال عند التسوق لأن تفكير الطفل يشبه تفكير رجل صائم في عز الصيف داخل سوبر ماركت، غير أن المعضلة الحقيقية تكمن في الخوف من إطلاق صفة البخل وهي صفة ذميمة لا تسر ولا تسعد بل إنها تصيب المعنويات في مقتل، لاسيَّما إذا أطلقت على الشخص وهو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف فهو بين أمرين، إما أن ينتصر لوعيه وإدراكه ورؤيته الثاقبة للأمور ويمضي في قراره، وهذا الأحرى والأجدر والأصوب، وإما أن ينأى بنفسه عن وجع الرأس وهو بهذه الروح الانهزامية سيؤسس لحالة انفصام لن تفتأ أن تؤرقه خصوصاً نهاية الشهر وهو يصارع الأقساط المختلفة، وفيما تواصل الأسعار التهابها الحاد وقدر لك أن تتوقف في أحد المطاعم لتناول وجبة خفيفة تفاجأ بالفاتورة. فيقف بعض من شعر رأسك لقيمتها المرتفعة وتسأله عن الفاتورة ولماذا الأسعار غالية، فيبادرك بالجواب السريع والجاهز لا تنسى الإيجار والموقع حتى وإن كان (بقلعة وادرين) ولا تقف المشكلة عند هذا الموقع المتواري عن الأنظار ةوالسعر الملتهب بل تتعداه إلى افتقاره أيضاً للنظافة حتى إذا تصارعت مصارينك مع بعضها البعض مصارعة رباعية تبعاً لوضعك البائس وكيف أصبحت فريسة لفراغ الأمانة من محتواها، فإنك حتماً ستهرع إلى أقرب مستوصف ليستقبلك الطبيب ويرمقك من خلف نظارته السميكة ليضع السماعة على بطنك ويمررها على أجزاء جسمك وعيناك لا تغادر عيونه. ليشير بعمل تحليل وبعد إجراء التحاليل اللازمة وغير اللازمة ويصف لك الدواء فتهمّ بالخرج من المستوصف مروراً بطبيعة الحال بالاستقبال ليستقبلك الموظف والابتسامة لا تغادر محياه ليهتز جيبك نتيجة لعاصفة كمبيوترية مدوية ليقف ما بقي من شعر رأسك فتسأل عن سبب هذه القيمة المرتفعة لتجد الإجابة نفسها الإيجار ولا تنسى& nbsp; الموقع حتى وإن كان في أحد الدواعيس وبالكاد يرى، وإذا كان لك موعد مع طبيب أسنان عفواً أقصد (مليونير) فاستعن بالله وتوجه إلى أقرب شركة مقاولات. إذن الكرة في ملعب ملاك العقار وإن كانوا هم الآخرين لا يخفون أنينهم من هذا الغلاء مع أن جزءا من الحل في متناول أيديهم، إذ أن صاحب المستوصف والمطعم والمشغل والمدارس يعزو سبب ارتفاع سعره إلى الإيجار العالي ويرفق معها الكلمة المتداولة دائماً وهي الموقع، المشكلة الحقيقية لا تحتاج إلى مجهر ليتم التعرف عليها وهي في المباني الخالية والتي لم تؤجر بسبب تعنت بعض المُلاك وإصرارهم على فرض سعر معين بمعزل عن عامل العرض والطلب أضف إلى ذلك صعوبة فرض مقاييس دقيقة لتحديد قيمة الإيجار بقدر ما هي تقديرية، أن إبداء قدر من المرونة من لدن ملاك العقار ضرورة حتمية وسيسهم بفاعلية في تحقيق أكبر قدر من التوازن والعائد بطبيعة الحال سيصب في مصلحة الجميع بمن فيهم الملاك أنفسهم لأن الأسعار ستنخفض تباعاً طالما انتفت مبررات ارتفاعها.