19 سبتمبر 2025
تسجيلالتضخم ينتج عن زيادة المعروض النقدي على الأصول المادية الإنتاجية باختصار. الربيع العربي المعاش أثبت أن الأصول لها أشكال متعددة، وليس فقط المتعارف عليها؛ من آلات ومعدات وأراض وغيرها، بمعنى أنها لا تقتصر على الفهم الاقتصادي التقليدي بل هناك أصول أخرى سياسية واجتماعية لها كذلك فائضها التضخمي. الظاهرة "القذافية" كانت محددة في ذلك، عندما تكلم صاحبها عن حقه وأسرته في حكم ليبيا إلى الأبد مدعياً أنه الأصل الذي لا غنى عنه، وبأن من يطالب بانتهاء حكمه هو في طور التضخم السياسي المرضى. ذكر بأنه تسلم ليبيا وعددها لا يتجاوز المليون واليوم هم خمسة ملايين وربط هذه الزيادة بالتأكيد عليه وعلى وجوده كأصل ثابت منتج بالضبط كما في المفهوم الاقتصادي. الحقيقة أن جميع الأنظمة السياسية العربية تعتبر نفسها أصولاً ثابتة تاريخية تحت دعاوى كثيرة دينية واجتماعية، وأن الشعوب بحكم الزيادة التي يمكن التعامل معها بحسب الظروف التي تخدمها"الأنظمة" كأصل. فالتعامل مع الشعوب من هذا المنظور كالتعامل مع ظاهرة التضخم كظاهرة اقتصادية سواء تم ذلك عبر السياسة النقدية أو المالية أو الاجتماعية، وفى حالات متطورة يمكن اللجوء لأسباب أخرى بوليسية للتحكم فيها، المهم أن تبقى تحت السيطرة. مفهوم الزيادة وليس الأصل أو الحق هو المفهوم المسيطر لدى هذه الحكومات. التغيرات الاقتصادية العالمية في انعكاسها على أوضاعنا هذه لا تأتى بنفس النتيجة التي من أجلها اتجهت أو قامت هذه المفاهيم، وإنما تبنى تراكما على أساس مغلوط أساساً فمثلا، دولة الحد الأدنى، مصطلح نيوليبرالي، بمعنى عدم تدخل الدولة في شئون المجتمع إلا في أضيق الحالات. "دولة الحارس الليلي" هذا الاصطلاح له شكلان أحدهما خاص بالدول الرأسمالية التي لم تحبذ تغلغل الدول في أوصالها لتكفل للمجتمع ولرأس المال حرية التحرك والانتقال والمبادرة في تسيير الاقتصاد، وهو ماعُرف لاحقا بتغول رأس المال وتحكمه وسيطرته على جوانب المجتمع الاجتماعية الأخرى. وشكل آخر في دول الإقطاع الاجتماعي الذي كما أشرت يجعل من الشعوب فائضاً اجتماعياً يمكن التحكم فيه حسب الحاجة التي يتطلبها بقاء النظام القائم كأصل اجتماعي لا يطاله التغيير، فتدخلت بالتالي الدولة"النظام" في إدارة الشعب وفي"إصلاحه" بمعزل أو بمنأى عن النظام ذاته، بمعنى إدارة المعروض الاجتماعي دون الوصول إلى الأصل المتحكم. هذا المنطق كشفت عنه ثورات الربيع العربي بجلاء في ليبيا ومصر واليمن وسوريا، عليكم بمعالجة الشعب ومطالبه كظاهرة تضخمية واقتصار الحلول في الحد الأدنى الذي لا يغير من بنية النظام لأنه أصل ولأن الشعوب فائض تضخمي لا أكثر. فأصبحت دولة الحد الأدنى هي دولة النظام القائم فقط، في حين أن هناك في الغرب، حيث ظهر المفهوم، دولة الحد الأدنى للطرفين حيث الانتخابات القادمة والبرلمان الجديد والحزب الفائز، ثمة توازن واضح لا يفصله سوى مدة زمنية قصيرة بعكس ما قد يظهره تطبيق المفهوم عندنا، تهميش للشعب وتأبيد للنظام. فالعلاج ليس بانتقاء المفاهيم، وإنما بكسر حلقة ترويجها في ظل عدم الإصلاح الأولي والمتمثل في إصلاح النظام السياسي العربي. [email protected]