12 سبتمبر 2025

تسجيل

بين اليونان وديار بني يعرب

16 ديسمبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); استوقفتني نتائج استطلاع أجرته هيئة مكافحة الفساد اليونانية على شريحة من اليونانيين، توصل إلى أن واحدا من كل ثلاثة يونانيين، يدفع رشوة داخل المستشفيات العامة هناك، لتمرير إجراءات الفحص والعلاج. الاستطلاع توصل إلى أن غالبية من شملتهم الدراسة أشاروا إلى أنهم لم يستلموا إيصالات بنصف المبالغ التي دفعوها للأطباء والمستشفيات!.الدراسة أشارت إلى أن ثلث الأطباء كان يطلب الرشوة بصورة واضحة وعلنية، بينما هناك ثلث آخر محصّن وذو ضمير مهني، بينما الثلث الأخير لا يطلبها لكنه لا يرفضها أيضا!.اليونان يقع ضمن دول الاتحاد الأوروبي، ومازال يعاني من مشاكل اقتصادية جمة، لكن أن يصل إلى هذه الحالة من الفساد المهني المعلن، وفي مهنة خطيرة وحساسة كالطب، فهذا يعني أنه أكثر انتشارا في مواقع أخرى!.كنت أتساءل، لو طبقت دراسات شبيهة في دولنا الخليجية مثلا، بحكم أنها أكثر ضبطا من دول عربية كثيرة، كيف ستكون النتيجة؟!.في حقيقة الأمر نحن لا نعاني من انتشار الرشاوى فقط، فالمحسوبية والواسطة والطائفية والطبقية يؤدون في أحيان كثيرة نفس الدور، بل ربما أسوأ.على مستوى الخدمات العامة، صحية كانت أو تعليمية أو تجارية، يفاجأ المواطن أحيانا كثيرة، بأن معاملته لا يمكن أن تمر إلا بعد توصيات واتصالات وواسطات، تسهّل له تمرير خدمة بسيطة، بل تافهة، يفترض أن يحصل عليها بكل يسر وسهولة ضمن نطاق العمل اليومي للجهات الخدمية في الدولة.الواسطة والمحسوبية في دولنا بإمكانها أن تقدم لك ما يفترض أن يكون لغيرك، في الخدمات والوظائف والمنافع وهلم جرا!.أما الرشاوى التي بدأت تنتشر بشكل غير طبيعي، حتى بدأ البعض يعتبرها حلالا ورزقا شرعيا، فهي الأخرى بدأت تأخذ موقعها في بعض الخدمات البسيطة وصولا إلى الصفقات الكبرى. البعض يعتبرها "حلاوة" والبعض استحلّها كمكافأة، وكأن أولئك جميعا لم يسمعوا الحديث النبوي: "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش".البعض لا يستلم أموالا، ولكن هدايا وخدمات أخرى هنا أو هناك، تسير وفق المبدأ الشعبي "شيلني واشيلك"!.غالبية دول الخليج توجد بها مؤسسات ودواوين للنزاهة ولمراقبة الهدر والفساد المالي والإداري، لكن أي منها يقوم بواجباته كما ينبغي، أي منها لديها صلاحيات أكبر من كشف بعض أرقام الهدر والتجاوزات المالية والإدارية، وتدوينها في كتب سنوية تُحفظ للذكرى.دولنا تعاني من فساد ولكن من دون مفسدين، فالمحاسبة موجودة ولكنها تطال أطرافا ظهرها ضعيف، غالبا ما يكونون "أكباش فداء" يضحّى بهم إذا دعت الحاجة. تغليظ عقوبات من استهوتهم الشياطين بالمال الحرام، ونشر الوعي الجمعي وإحياء الضمير المجتمعي، كلها واجبات على الدولة أن تقوم بها وتتابع تنفيذها دون كلل أو ملل، لأنها وببساطة، ستوفر الفرصة، لتحقيق عدالة اجتماعية وتوزيع عادل للثروة، لا يمكن أن يتحققا مع وجود غول الفساد النَّهِم، الذي لا يبقي ولا يذر!.