11 سبتمبر 2025
تسجيلهناك فقط نفهم جيدا كيف يمكن للآلة السياسية العسكرية الإسرائيلية المتطرفة أن تجز رؤوسنا جميعا من البحر إلى النهر إن استطاعت دون أن يرف لأحدهم رمش أو يخشى ردة فعل العالم، هناك في فلسطين حيث يبحث يهود أوروبا عن أرض أحلامهم عند مقابر الأطفال والنساء والشيوخ العجزة الذين سقطوا برصاص الجنود الإسرائيليين بلا ذنب، إلا أنهم يريدون العيش على أرض أجدادهم وفي بيوتهم المتواضعة.إنه الخطاب الأكثر حماسا، حيث يقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ليعلن أنه لا يمكن القبول بأي نقاش من أحد ولا حتى من الأمم المتحدة للتفاوض على قبول الانسحاب حتى حدود يونيو 1967، وهو يبرر رفض إسرائيل لتلك الفكرة لأنهم لا يريدون وجود ما أسماه الإسلام المتطرف على حدودهم، ويتناسى نتنياهو وحكومته وزمرته خطر اليهودية المتطرفة والصهيونية الغارقة بالدم التي بقيت حتى الآن على حدود أهل الأرض وورثتها منذ عشرات السنين.في قطاع غزة المحاصر والمقتول سياسيا واقتصاديا، احتفلت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالذكرى السابعة والعشرين لانطلاقتها، ومثلها مثل كل حركات التحرر الوطني والمقاومة ضد المحتل والمستعمر خرجت إلى الشوارع لتظهر بعضا من قوتها ليس إغاضة للعدو ولكن لرفع معنوية الصديق، ولكن أي صديق؟ ما دام الشقيق في الضفة الغربية لا يريد أن يتخلى عن حق المقاومة ضد الاعتداء وليس الأعداء، فبالتزامن اقتحمت قوات السلطة تجمعات أعضاء ومناصري حركة حماس ونفذت حملات اعتقالات واسعة، وكل ذلك يقع في مصلحة الحكومة الإسرائيلية بغض النظر عن رئيسها وحزبها.أما أن تحاصر غزة ويخنق شعبها ويقتل شبابها ويروع أطفالها وتثكل نساءها، فتلك ليست سوى نزهة صيد تقوم بها قوات الإحتلال لتنظيف محيط البيت اليهودي الذي يفهمونه، ثم يريدون من العالم والعرب أن يتفهموا "حاجة إسرائيل لأمن مواطنيها"، حسبما يدعي نتنياهو وأصدقائه الأمريكان، الذين يطاردون أشباح الإرهاب في صحراء العراق وسوريا،خوفا على السلم العالمي، ويسمحون للربيبة إسرائيل أن تقتلع الفلسطينيين من بيوتهم، وتطردهم من قراهم، وتحاصر المساجد والمنازل، وتهدمها فوق رؤوس أهلها، ونفهم أن تقتلع جرافات "جيش الدفاع " أشجار الزيتون الذي من أغصانه بنوا جدارية السلام المنقوع بالدم. نحن نفهم كل ذلك لأننا لا نتوقع من عدو غاصب أن يفعل بالفلسطينيين أقل من هذا البطش والتمرد والطغيان، بعد أن تركه العالمين العربي والدولي ليفعل ما يشاء بذلك الشعب الأعزل، ويجرب على منازلهم وأجسادهم فاعلية أسلحته المتقدمة، ودقة تصويب الطائرات المقاتلة، أما أن يأتي الظلم من أقرب الأقرباء، ويسفك دمنا من كان دمنا ولحمه من لحمنا، ولسانه لساننا، ثم لا يخجل ولا يهمزه شرف ولا مروءة ولا كبرياء، فتلك والله مصيبة المصائب، فالأب التحريري الأصغر في الداخل يوبخ أهل غزة على فعل ليس لهم فيه دخل ولا تدخل، والشقيق الأكبر يعاقبهم بذنب غيرهم، والعرب مستمتعون على حلقات إخبارية من مسلسل التراجيديا الهزلية التي يلعب أهل غزة بطولتها، وهم يعلمون إن أهل غزة شعب له الحق في العيش الكريم، لا أن يهان وتغمس لقمته بالذل والهوان والمنّة، ويحاصر مليوني إنسان في قطاع مقطوع. في ذكرى تأسيس حركة حماس،لا نزال نجد إن أهل غزة يكابدون في حياتهم أظفار المعاناة، ترهقهم منازعات الديوك التي تعتاش على مزابل إسرائيل والخارجية الأمريكية، ولا يدافعون عن كرامتهم وعن حقهم في العيش مثل كل البشر في العالم، وعن حريتهم التي دفعوا ثمنها غاليا ورخيصا، وضحى خيرة قياداتها بأرواحهم دفاعا عن وجود شعبهم وطهارة ترابهم، فيما فرقاؤهم يتنقلون بتصاريح من ضابط الارتباط الإسرائيلي ثم يتكبرون على شعبهم الذي هو سبب وجودهم في تلك المناصب الخادعة. في أبسط أدبيات السياسة نفهم أن الحصار الاقتصادي والإنساني كعقوبة عامة هو عار يلاحق الدول التي تفرد عضلاتها أمام عقلها، وهو ظلم فاحش يطال الجميع بعقوبة جماعية للاشيء سوى أن شعب غزة رفض الذل والخضوع لحذاء المحتل والغازي الصهيوني المتطرف، ولكن الأدبيات اليوم تبدلت فقد أصبح العار يطارد من لا يطيع أوامر أهل القيادات في الغرب الصديق للمحتل، والخنوع الجماعي لما فيه خير أعدائنا، تلك الأدبيات التي تسببت في تجمد تام في جميع قيمنا وإراداتنا السياسية والشعبية نحن العرب. في ذكرى تأسيس حماس، يقدم الكونجرس الأمريكي هدية جديدة لإسرائيل بقيمة 370 مليون دولار لدعم القبة الحديدية، ولا تزال غزة تنتظر الهدايا الرمزية التي أعلنت عنها قليل من دول العرب، ثم جاء الشتاء والغزيون يلتحفون بأردية البرد القارص سياسيا واقتصاديا وتنمويا واجتماعيا لأنهم يقاومون العدو. إذن وفي ظل الهجمة العالمية المرتدة على الإسلام السياسي والقبضة الحديدية على قطاع غزة وتجفيف الحياة في الضفة الغربية، وعودة سلطة الأنظمة الشمولية بلباس جديد لعالمنا العربي، نسأل حماس: إلى متى ستبقى تراهن على خيار المقاومة المسلحة والندية مع إسرائيل؟ ولو حصل ووقعت اتفاق سلام خانعا مباشرة مع إسرائيل فما الذي سيتغير، هل ستبقى غزة تعاني وحماس إرهابية أم ستتحول حماس إلى شرطي عازل بين آسيا وإفريقيا العربية وتتحول غزة إلى دبي الثانية ونسميها لؤلؤة البحر الأبيض وتتدفق عليها المليارات من العملات والاستثمارات، ثم نطلب حينها تأشيرات سفر للحصول على عمل أو زيارة نفاق.. كل ذلك قد يتغير بمجرد توقيع.. رحم الله الشيخ أحمد ياسين