15 سبتمبر 2025
تسجيلبقدر فرحتي وسعادتي بالجهود الجبارة التي يواصل صديقي الدكتور عارف صديّق من الباكستان بذلها بدأب وإخلاص في خدمة العربية فإنني أتوارى خجلا وأحس بفداحة الذنب لتقصيري وتقصير أبناء العربية عن العناية بلغتهم ونشرها، لا أقول بين الأعاجم، ولكن بين من تعتبر بالنسبة لهم اللغة الأم، والمقصود تحبيب أبنائها بها، وتنشئتهم منذ الصغر على تذوق جمالياتها، فمن تذوق لغة أحبها وتعلّق بها، وعشق الحديث والقراءة والكتابة بها، وأعلى مقامها في نفسه، فكيف بلغة كالعربية التي لها قداستها الخاصة حتى لدى غير الناطقين بها من المسلمين. في نهاية الشهر الماضي وصلتني رسالة من صديقي الدكتور عارف يخبرني فيها بأنه يخوض غمار تجربته الشخصية الثانية في تعليم العربية الفصيحة لابن أخيه محمد بن راشد منذ نعومة الأظفار(أتم الثالثة من عمره) بعد نجاح تجربته الأولى في تعليم على ابنتي آسية عارف (11 عاما) العربية الفصحى والتي بدأها عندما أتمت عامها الأول، بالاعتماد على نظرية الدكتور عبدالله الدنان (تعليم اللغة العربية بالفطرة والممارسة).وبجهود ذاتية من والدها أتقنت آسية العربية في السنوات الأولى من عمرها، وتجاوزت ذلك لتسجيل أرقام قياسية في هذا المجال منذ أن كان عمرها سبع سنوات وحتى الآن، فهي تُعدّ أصغر طالبة جامعية في مجال اللغة العربية (نالت دورة جامعية ودبلومة عليا في المحادثة العربية إلى جانب طلبة كبار في السنّ)، وهي أصغر مؤلِّفة تصدر كتبا بغير لغتها الأم (ألفت كتابين للأطفال من غير الناطقين بها)، وأصغر معلِّمة للعربيّة على مستوى العالم أقامت دورات لتعليم العربية لعدة فتيات باكستانيات.وعودة إلى التجربة الجديدة فقد أعلمني صديقي د. عارف أن ابن أخيه محمد بن راشد قد بدأ لسانه ينطلق وهو يتحدث بالعربية الفصحى في مخاطباته اليومية، ويتفاعل معه بها بسهولة جدا، بعد مرور سنة على البدء بتعليمه، حيث بلغ عدد الكلمات التي تعلّمها 600 كلمة، فيما تم تسجيل خمسين مقطع فيديو له حتى الآن. ولعل من أهم الأمور التي يعتمدها في تجاربه كما أخبرني: خلق بيئة الفصحى للطفل، مع البدء بتعليمه الأشياء الملموسة المحيطة به، والتركيز على تكرار الكلمات الجديدة بأشكال مختلفة، دون تحفيظها له، وإدخالها بطريقة فطرية في ذهنه بتكرارها، وعدم تكلمه أمامه بأي لغة أخرى غير العربية الفصيحة، وعدم استخدام طريقة الترجمة كأن يقال له باللغة الأردية أولا ثم يقال له إن هذا الشيء يسمى بالعربية كذا، وإنما اعتماد طريقة مباشرة باستخدام أسماء الإِشارة، كأن يقال له: هذه دراجة، التركيز على إسماعه أكبر قدر من الكلمات، لأن السماع هو أول خطوة في تعلم اللغة، وأخبرني أن من عوامل نجاحه جعل محمد صديقا له، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا أصبح طفلا صغيرا مثله، واعتماد التعليم من خلال اللعب، واستثمار حكايات ما قبل النوم، وإسماعه الأناشيد العربية.نجاح الدكتور صديق في تجربته الأولى، ونجاحه المنتظر في الثانية ناتج عن أمور كثيرة، أهمها إيمانه بما يقوم به، وجهوده الدؤوبة، واعتماده على نظرية مجرّبة نظريا وعمليا، وإخلاصه في تطبيقها وصبره على ذلك.صديقي الدكتور عارف طلب مني ومن غيري من المهتمين كتابة كلمه تشجيعية لمحمد بن راشد بمناسبة يوم ميلاده الرابع، وتقييم ما أنجزه محمد. وأنا أقول له: بورك بمحمد، وبورك جهدك المخلص..نحن من نحتاج أن نتأسى بك في الاهتمام بالعربية الفصحى، وتحبيب الأطفال بها منذ الصغر، وأن نتعلم ونستلهم خلاصة تجاربك أولا، والصبر حتى بلوغ النجاح ثانيا.. كل الود لك.