31 أكتوبر 2025
تسجيلسرنا معاً نجاري وقتنا المزدحم، ومزقنا الأوراق سوياً حتى لا يطلّع عليها الغرباء، لا أحد غيرنا يجوب دهاليز صندوق بريدنا الحزين، فنفتحه أنا وأنت لنكتشف أسراره ولربما تكون هناك رسالة ما عالقة في أعماقه.يا لذلك الحزن الذي يسكنني ويرافقني ويخلص لي فيُذكرّني بك ويرثيني كقصيدة منزوية لم يُكملها شاعرها، حزني أصم فمهما تحدثت فلن يسمعني... حزني أبكم فلن ينطق حروف اسمي... حزني أعمى فيسير بعصاته على جرحي...عند محطة القطار هناك أقف وأنت معي تنتظر لكي أنطق حرفاً أخفقت في التفوه به منذ طفولتي، فكبرت وكبر معي عجزي عن نطقه، أصبح صمتي صديقاً آخر لنا أنا وأنت والحزن وفي ذلك المكان كنّا ننتظر موعد رحلتنا إلى مكان بعيد لنسير معاً بين طرقات المدينة، نشاكس قطرات المطر وهي تبلل ملابسنا وتختلط بدموعنا... فنستمع إلى أصوات المارة ومرتادي المقاهي ويتداخل صوت فيروز مردفاً:"صار لي شي مية سنة عم ألّف عناوينمش معروفة لمينواوديلهن أخباربكرا لابدّ السما ما تشتيلي عالبابشمسيّات وأحبابيخدوني بشي نهارواللي تذكّر كل الناس بالآخر ذكرني".حزني ذو حبر أسود منثور على لوحة بيضاء لم يقرأه أحد بالرغم من مرورهم أمامها، وقد سحبوا بقايا الجرائد من جانبها، هناك تتكئ امرأة طاعنة في السن وتفترش أرضي وتلتحف سمائي، وتلامس نجومي دونما أذن...سعيدة بالرغم من فقرها، أتذكرها يا قلبي؟... هل سمعت صوت تمتمتها يا حزني الوفي؟ هل تستطيع نطق حروفها يا صمتي القاسي؟أصبحت بلا ماضٍ... وبلا ذكريات... صرت أعيش لحظاتي في يومي إلى أن ينتصف الليل لأبقى وحدي ولا تُحيط بي سوى الأوراق التي لم تغدر بي ذات يوم، جمعتني بأحدهم بقايا الأمس وصور ممزقة ولوحات مكسورة، فقد أصابهم الغرور فتركوا بصمة حزينة على جبيني... وكنت معك يا قلبي أسير بصحبتك لأخفف عنك تلك المواجع اللعينة...أنا الآن بأمان يا قلبي طالما أمامي ورقةأنا الآن أعيش بهدوء يا صمتي فزدني صمتاً كما شئتأنا الآن تشربت من الحزن يا حزني الوفي إلى أن فقدت الإحساس بك فعاقبني كما تُريدسنسير معاً أصدقاء مُقربين، لوحدنا دون أن يُشاركنا أحد رغيفنا.... أنا وقلبي وصمتي وذلك الحزن نجلس عند شرفة النافذة ننتظر متى يحل الشتاء ويسقط المطر... أنا يا قلبي أحمل قلماً يكتب بلا هوادة... كلماتي نص لا يحتاج إلى اجتهاد... حروفي قاعدة بلا استثناء... كتاباتي اختلطت بدمي وأثارت شجا الثوّارسنظل نحن الأصدقاء الأربعة منطلقين بلا توقف... بلا عشق زائف... بلا فراق... بلا ألم... نتقابل عند محطة القطار لنسافر بعيداً ويُحيط حولنا الورق.... ونبحث عن انتظار آخر...