21 سبتمبر 2025
تسجيلتختلف وسائل الإثبات التي يمكن الاستناد عليها من أجل المطالبة بحق معين أمام القضاء، فهنالك الحجج المكتوبة، وشهادة الشهود، وحلف اليمين وغيرها من الوسائل المعتدة في نظر القانون وسائل للإثبات، لكن يبقى أقوى دليل يمكن ترجيحه في نظر القانون، هو اعتراف المعني بالأمر وإقراره بصحة الشيء من عدمها، فالإقرار إذا صدر من الشخص ذي الصفة في الدعوى فإنه يثبت الواقعة المتنازع بشأنه، ويصبح عندئذ لا مجال لإعمال وسيلة إثبات أخرى إلا إذا رأت المحكمة حسب سلطتها التقديرية أن ذلك الإقرار لا ينسجم مع المعايير والشروط المطلوبة قانونا. وقد نظم قانون المرافعات المدنية والتجارية الإقرار باعتباره أحد وسائل الإثبات التي يعتمد عليها القضاء في إصدار أحكامه، وأعطى للإقرار الذي يصدر أمام الجهات القضائية قوة ثبوتية وقرينة قاطعة لا تقبل إثبات عكسها، وذلك حسب ما يستفاد عند مطالعة المواد 302 و 303 و 304 من قانون المرافعات المدنية والتجارية. فقد عرفت المادة 302 المذكورة الإقرار القضائي بأنه اعتراف الشخص أو من ينوب عنه نيابة خاصة بواقعة قانونية أثناء سير الدعوى، بمعنى أن هذه المادة قيدت نطاق الإقرارات القضائية، وذلك باشتراط أن يتم الأمر أمام جهة قضائية، بشأن واقعة مدعى فيها وخلال تداول تلك الدعوى، وأن تكون للمقر الصفة، بمعنى أن يقر الشخص بأمر يخصه، أو أن تكون لديه وكالة خاصة للإقرار بذلك الأمر، وإلا اعتبر ذلك إقرارا غير قضائي، وبالتالي يعد وسيلة إثبات تخضع لترجيح المحكمة. كما تشترط نفس المادة أن يكون الإقرار صادرا عن شخص بالغ عاقل يستطيع إدراك الأمور واتخاذ القرارات بإرادته الواعية المتبصرة دون إكراه أو إجبار أو أي عيب يطال أهليته القانونية. ولكي يكون الإقرار القضائي حجة قاطعة لا تقبل إثبات عكسها يجب أن يكون المقر يعترف بوقائع تخصه، بحيث لا يجوز إقرار شيء يتعلق بالغير، أو لا يخص المقر بشكل مباشر، مثل إقرار شخص بأن شخصا آخر قد قام بالنصب على شخص ثالث، ففي هذه الحالة لا نكون أمام إقرار لأنه لم يصدر بشأن واقعة تخص المقر، ولا يكون هذا الأخير قد صرح بما يفيد علاقته المباشرة أو غير المباشرة بالواقعة المقر بها، وبالتالي تصبح أقواله مجرد تصريحات يمكن إعادة تكييفها قانونا بالمؤسسة المناسبة لشروطها ومعاييرها، لكنها في جميع الأحوال ليست إقرارا وإن تمت أمام جهة قضائية، وذلك لانتفاء الصفة لدى المقر. كما أن المادة 303 من قانون المرافعات تعتبر الإقرار حجة قاطعة على المقر وحده وقاصرة عليه، بالتالي إن أقر شخص أمام القضاء بواقعة معينة فإن إقراره لا ينفذ إلى الغير، وإن تعلق هذا الإقرار بمجموعة أشخاص، بل يعنيه وحده، حجة بخصوص الحقوق المتعلقة به دون غيره، أي لا يجوز أن يترتب عن إقراره ذلك تعديل أو إنشاء أو إلغاء حق للغير، مثل إقرار وارث بصحة وصية، فهذا الإقرار يعنيه وحده في نصيبه الشرعي من التركة، ولا يجوز أن تنصرف آثار هذا الإقرار إلى بقية الورثة. وهذه القاعدة كرستها محكمة التمييز في عدة أحكام لما اعتبرت أن قوة الإقرار القضائي في الإثبات مقصورة على الدعوى التي صدر فيها، فإذا تمسك به الخصم المقر له أو الغير في دعوى أخرى تالية كان الإقرار بالنسبة إلى هذه الدعوى الأخرى إقراراً غير قضائي، فلا يعتبر حجة قاطعة على المقر، بل يكون خاضعاً لتقدير المحكمة مصدرة الحكم.