13 سبتمبر 2025
تسجيلالتحديات التي تواجه قطاع الطاقة كبير جداً، إزاء الجهود التي يبذلها خبراء لصياغة رؤى اقتصادية جادة، لبناء طاقة نظيفة تعتمد على بدائل بيئية، وأن الوضع الراهن يشهد تحديات جمة هي الانبعاثات الحرارية، وبلوغ مستويات قياسية من التلوث، والجفاف، والتصحر، والاحتباس الحراري، تستوجب التحرك للخروج بحلول لمعالجة التغيرات المناخية وحل مشكلات مصادر التمويل التي تعنى بهذا النوع من الطاقة. من هذه التحديات الاستخدام غير المستدام للطاقة، والتوسع الحضري والعمراني على حساب البيئة، وزيادة السكان، وأعمال البنية التحتية والتغيرات الكيماوية، والنفايات الخطرة، ومخلفات المصانع. فقد ناقش مؤتمر الطاقة النظيفة الذي انعقد بالدوحة مؤخراً جملة من هذه التحديات، وتوصل الخبراء إلى أن الحلول تكمن في صياغة رؤية توافقية عالمية تجمع شتات جهودها في تقليل الاعتماد على الطاقة مقابل فتح الباب أمام مبادرات الاستفادة من البيئة النظيفة والطاقات الطبيعية المتنوعة. أما المشاورات العالمية الجادة لم تأل جهداً في صياغة مشروعات قابلة للتطبيق في الواقع، فقد ذكر الصندوق العالمي لحماية الحياة البرية أن عام 2020 سيكون عاما للاعتماد على الطاقة النظيفة بنسبة 100%، وتوفير الطاقة بنسبة "20%" عن الاستهلاك المتوقع، وزيادة مصادر الطاقة المتجددة في توليفة الطاقة إلى "20%"، وتوفير استهلاك الطاقة بنسبة "38%" على الأقل. وقد بدأت دول العالم خطواتها في إنتاج الطاقة النظيفة من وقت مبكر وهي اليوم تنتهج التوسع في إنشاء مبانٍ ومنشآت ومراكز تقوم في أساسها على الاستفادة من الطاقة البديلة، فمثلاً تشير تقديرات الرابطة الأوروبية للصناعة الكهروضوئية إلى أن إجمالي إنتاج ألمانيا من الطاقة الشمسية يقدر بـ "24،700" ميغاوات سنوياً، تليها إيطاليا التي تنتج من الطاقة الشمسية "9" آلاف ميغاوات، وتخطط اليابان بحلول 2030 أن تصل بإنتاجها إلى "53" ميغاوات، وتعتزم بلجيكا إنشاء أكبر مؤسسة للطاقة في أوروبا لترفع إنتاجها إلى "25%". فالسنوات العشر الأخيرة كلفت العالم الكثير من المليارات، لإنشاء بنية تحتية لثقافة استخدام الطاقة البديلة في مناحي الاقتصاد، فقد بدأت الخطط تأخذ طريقها إلى التنفيذ، ومنها إنشاء أكبر سد هيدرومائي على نهر يانغستي بالصين بتكلفة "26" مليار دولار، ونجحت كوريا الجنوبية في الاستفادة من طاقتي المد والجزر في إنشاء محطة تعمل لأكثر من "45" عاماً بقوة "240" ميغاوات، وأنشأت الولايات المتحدة الأمريكية في 1921 مشروع الحرارة الأرضية في كاليفورنيا ويتكون من "22" محطة، وأنشأت محطة "أيفانباه" للطاقة الشمسية وهو أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية من الشمس بتكلفة "2.2" مليار دولار. كما أنشأت المملكة المتحدة مصفوفة لندن في 2012 وهي أكبر مزرعة رياح بحرية في العالم تقع في مصب نهر التايمز بتكلفة "2.3" مليار دولار، وتدرس إيطاليا إنشاء مشروع محطات تعمل باستخدام مخلفات المحاصيل الزراعية والغابات، وخصصت فنلندا دعماً استثمارياً قدره "40%" لتحفيز المستثمرين لإنشاء محطات توليد. كل هذه المشروعات البيئية التي أنشئت قبل أعوام مضت استشرفت الدور المستقبلي للطاقة البديلة، وحرص العالم على إنشاء نماذج ومصانع تقوم عليها بغية مراقبة تجربة بقائها ونجاحها واستمراريتها. وإذا سلطنا الضوء على دول مجلس التعاون الخليجي وجهودها في تأسيس بنية تحتية للطاقة النظيفة، فإنها بدأت منذ سنوات في أخذ زمام المبادرات العالمية في ترسيخ مفهوم جديد للطاقة النظيفة، خاصة أنها تمتلك مخزوناً هائلاً من الطاقة الشمسية والحرارية يكفي لعقود طويلة قادمة. وأول الخطوات الجادة التي قامت بها دول التعاون هي الاستثمار في الدراسات والأبحاث المتعلقة بالطاقة الشمسية، فأنشأت دولة قطر مركزاً لدراسة الطاقة الشمسية والمخزون الحراري لباطن الأرض، وكذلك مدينة مصدر بدولة الإمارات العربية المتحدة التي تعد تجربة عملية لتطبيق الطاقة النظيفة على الأرض. وتسعى قطر إلى صياغة مفاهيم جديدة في الطاقة الشمسية، وقد بدأت المرحلة الأولى من إنشاء وحدات خلايا شمسية صغيرة من الطاقة الشمسية لتوليد ما بين "5ـ10" ميغاوات، والتي سوف تستغل في إنتاج المياه الصالحة للشرب من خلال تحلية مياه البحر، وتهدف إلى توليد حوالي "20" ميغاوات من الطاقة متجددة المصادر بحلول 2024، كما بدأت فعلياً في تنفيذ مشروع البيت الأخضر الآمن الذي يحقق كفاءة استخدام الطاقة المتجددة بحلول 2020 ويستخدم حالياً "136" لوحاً من الألواح الشمسية وسيخدم الوحدات السكنية بما يساعد على تجنب انبعاث الكربون. وأدى الاستثمار العالمي في دراسات الطاقة الشمسية إلى خفض تكلفة تلك الطاقة إلى "80%" نظراً لدور الجهود البحثية في اختصار السنوات والإنفاق المالي على المشروعات، فقد بدأت دول التعاون في تنفيذ مشروعاتها من حيث انتهى الآخرون في تطبيق المبادرات الجادة في الطاقة البديلة. وتعني الطاقة البديلة بكل مكونات البيئة من الشمس والنهار والبحار والمد والجزر والينابيع وحرارة باطن الأرض والغابات والمناطق الثلجية والمسطحات الخضراء. وأشار خبراء الطاقة النظيفة في مؤتمر الدوحة إلى أن قطر لديها أقوى الفرص في الاستفادة من الطاقة الشمسية وأنها تخطط إنتاج "2%" من إجمالي إنتاجها الكهربائي في 2020، وتعتزم استثمار "20" مليون دولار في برنامج تطوير تلك الطاقة في واحة العلوم والتكنولوجيا. وتخطط دولة الإمارات العربية المتحدة للتوسع في إنشاء مدن مصدر التي تقوم على الاستفادة من الطاقة النظيفة كبديل لطاقة النفط والغاز. وفي المملكة العربية السعودية تحتضن أكبر مشاريع الطاقة التي تعتبر أحد المشاريع الواعدة من حيث الطاقة الاستيعابية والإنتاجية، ومن المتوقع أن تسهم في تغطية احتياج ثلث الاستهلاك المحلي في قطاع الكهرباء 2032. ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها دول التعاون لتأسيس مراكز ومدن تعنى بالطاقة النظيفة وهذا يتضح من خلال حجم الإنفاق السخي على المشروعات البحثية والنفطية والكهربائية والبيئية للخروج بمشروعات تتناسب مع المستوى العالمي الذي وصلت إليه الطاقة البديلة، إلا أن تلك المشروعات تعتبر النواة لاستراتيجية الطاقة النظيفة، وما زال أمامنا الكثير من المكونات الطبيعية التي تزخر بها دول التعاون لاستغلالها مثل طاقة الأمواج والمد والجزر وحرارة باطن الأرض.