17 سبتمبر 2025
تسجيلإنه لا يتحرك، لا يفيق، جسمه بارد، اطلبوا الإسعاف؛ مؤشراته الحيوية لا تعمل، قلبه فقط ينبض ببطء، لا إشارات تصل إلى المخ، سننتظر بعض الوقت «الطبيب». تجمع الأهل بدأ القلق يزداد، أعلن الطبيب الوفاة، بكاء هنا ودعوات هناك. حددوا موعد الدفن بسرعة «إكرام الميت دفنه» أقيموا سرادق للعزاء، انشروا في الصحف الخبر «توفى فلان عن عمر جاوز»الدفن في مقبرة» العزاء في السرادق المقابل لمنزله. في المسجد تجمع المصلون من أصدقائه وأحبائه ومعارفه وآخرين جاءت بهم ظروف الدنيا. وقف الأمام يكبر، أرى وجوه المصلين واحدا تلو الآخر؛ هؤلاء أبنائي وعلى وجوههم الحزن يرسم خريطته، وهذا صديق قديم لم أره منذ زمن يبدو عليه التأثر، وبجانبه شخص لم أكن معه في الدنيا على ود، بل كان يكرهني، هناك في آخر الصف شخص كبير في السن كان يعمل فراشا في الشركة التي كنت أعمل فيها ساعدته مرة، إنه يبكي، خادم البيت عندي يبدو متأثرا، وربما يبدو خائفا أن يستغني عنه الأولاد بعدي، أرجو ألا يفعلوا ذلك. في الصف الآخر هناك شخص تشاجرت معه كثيرا لأسباب دنيوية بسيطة كنت أظنها مهمة في وقتها، ليته يسامحني. الحمد لله أرى من كنت مديونا له فيما مضى حاضرا ويدعو لي. كثيرون ممن تغيب كنت أظنهم سيحضرون، لعلهم كانوا مشغولين أو شغلتهم الدنيا رغم أهمية اللحظة بالنسبة لي، كثيرا من الحالات شغلتني الدنيا عن حضور صلوات الجنازة مثلهم، لم أستشعر ذلك إلا الآن. أشعر أنني دخلت من هذا الباب وخرجت من الباب الآخر، لم يكن الأمر يستاهل كل ذلك، لم يكن الأمر يستاهل أن أصاب بالضغط ولا بالسكر خوفا على الرزق وطلبا للمنصب، لم يكن الأمر يستاهل أن أنافق ضعيفا مثلي يُحمل على نعش ملفوف بخلقة بيضاء كما حُملت. أشعر أن الطريق بين البداية إلى النهاية مستقيم، كما أراه الآن، لا كما كنت أظنه أثناء حياتي. انتهت الصلاة تفرق الجمع إلا القليل ممن كنت أسكن قلوبهم، يحملونني إلى بيتي الأخير ويهيلون علىّ التراب، خطاهم تبتعد، همسهم يتلاشى، سراب الدنيا يختفي، غفلة الدنيا تزول كما يزول الضباب أمام إشعاع الشمس، حقيقة النظر وقوته تقوى في عالم الكشف، لطف الله يلف المكان ورحمته تسع الزمان. [email protected]