12 سبتمبر 2025

تسجيل

رواية ( فرج.. قصة الحب والعبودية ).. رؤية فنية 1

16 سبتمبر 2018

صوت قطري جديد ينضم إلى نادي الرواية القطرية، وهو الفنان محمد علي عبدالله، الذي أصدر أولى رواياته ، الموسومة ( فرج.. قصة الحب والعبودية) في 295 صفحة من القطع الكبير. وجديد هذا الصوت أنه عزفَ على وترٍ اعتُبر من أوتار (التابوهات) في العالم العربي، وبالأخص في منطقة الخليج العربي، حيث إن الحديث عن العبودية لم يكن مألوفًا أو مرغوبًا به، في ظل التطورات الاجتماعية ، وصدور بعض المراسم التي ألغت العبودية في بعض دول الخليج تحقيقًا للعدالة الإنسانية. ذكّرني اختيار الكاتب لموضوع العبيد، برواية ( الجذور) التي تحكي قصة جد الكاتب ( إليكس هيلي) الإفريقي ، واسمه ( كونتا كونتي) ، حيث تم أسره عبر تجار العبيد من إفريقيا وبيعه في أمريكا، ولقد صدرت الرواية عام 1976، وتُرجمت إلى 37 لغة ، وبيع منها أكثر من 50 مليون نسخة، كما تم تحويلها إلى مسلسل تلفزيون مؤثر. وقضية (فرج) لم تختلف عن قضية (كونتا كونتي) ، حيث أسرهُ بعض صائدي العبيد في إفريقيا وهو ابن ملك، وتم أخذه إلى تنزانيا وبيعه لتاجر عربي. رواية ( فرج) إطلالة جديدة على مساحات من تضاعيف الحياة، أحسنَ المؤلف حبكها، بصورة لا تبعث على السأم ، في روح القارئ، رغم طول الرواية. واستطاع المؤلف – الذي يمتلك حسا فنيًا وانتماءه للفن التشكيلي وخبرته في فن العمارة الخليجية وأدواتها – أن يتفنن في وصف المكان ولوازم هذا المكان. فما (ظويلم) إلا قرية أو مدينة من مدن العالم التي ينتشر فيها الظلم والشر، حيث يقع ضحايا لذلك الظلم ، ومنهم أهلها الأصليون.  وما (فرج) إلا صورة من صور آلاف يعانون ويصبرون ويتحملون الضيم، حتى ينالوا حريتهم المسلوبة ، ويثبتوا للعالم  حقيقة العدالة الإلهية في خلق البشر سواسية .  وما تحويه (ظويلم) من أرض وبحر وبشر وبيوت ومعالم وإدارة مشاعر، إلا نموذج لأية مدينة عربية تتحالف فيها القوة مع الدين، فيحدث الاستغلال الوحشي للدين، على يد الشيخ شاهين، القاضي الظالم، والذي يُجيّر ويبرر كل أفعال سيده (ضرار) الذي يستولي مع جماعته على (ظويلم) ، ويستولي على حقوق الآخرين، وسلب ممتلكاتهم ، بل وتكليف جماعته بالإخلال بالأمن. أما الشيخ شاهين ، فهو رمز واضح للاستغلالية وحب الذات والتبرير غير الأخلاقي في الاعتداء على الحرمات ، وإصدار الأحكام الجائرة بحق الآمنين. لن أسرد قصة (فرج) ، لأنها طويلة ومعقدة، ولكن الكاتب ضمّن دفّتي الكتاب رسائل لا تخطئها العين ، وهذا هو ديدن الرواية التي تحتمل كل شيء ، وتصلح للإحاطة بكل اتجاهات الحياة، والكتابة بين السطور .  تدور القصة حول قمة الوفاء ( حب (فرج) لسيده العربي الذي اشتراه ، حيث يصاب السيد بالمرض، ويظل (فرج) يرعاه. كما يتمثل الوفاء لـ (عويشة) نصف العربية أصيلة ونصف الإفريقية ، والناتجة عن تسرّي مالك أمها بأمها ، حيث تولد (عويشة) ، وتلاقي الويلات من آل بطي.   هنالك نواح فنية استوقفتني في الرواية ، التي يكتبها المؤلف لأول مرة ، ومنها: 1-    نضج الفكرة واتساع مساحة الخيال فيها ، وتماسك الأحداث بصورة جاذبة ومثيرة. 2-    حُسن استخدام اللغة المناسبة للزمان والمكان، واشتمال النص على لوازم الزمكانية، عبر الإتيان بالأوصاف والأسماء الدالة على مدلولاتها، دون تكلف، مثل: عدة صيد اللؤلو، عدة صناعة السفن ، المداواة بالأعشاب، التخاطر مع الجن، آلات الغوص مثل: الغيص، السيب،القفال، العزّال، الدقس، السكوني، الخطام، الدانات، الصلّ، القبقب، القران، وأيضًا البروة.. وغيرها. 3-    حسن استخدام الرمز ، الذي يُجنّب صاحبه المساءلة ، خصوصًا في دلالات الجغرافيا ( المكان) والتاريخ ( الزمان) ، فـ (ظويلم) مدينة خلقها الكاتب كي يُحرك شخصياته فيها ، ويوزع الأفكار والسلوكيات المتناقضة بين أهلها، تمامًا كما جزيرة ( طاش) و (جذام) التي يُنفى إليها المرضى وغير المرغوب فيهم من البشر. وكذلك ( فرشوك) التي يتحدث أهلها برطانة، وكان المؤلف يقصد الشاطئ الشمالي للخليج العربي.   كما ظهر حُسن استخدام الرمز في ركوب (فرج) سفينة صغيرة ، للحصول على اللؤلؤ الذي هو ثمن حريته، مع (نوخذا) أعمى، و(سيب) ذي رجل واحدة ، وتلك إشارة إلى عدم الاستهانة بأصحاب العاهات أو ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث أبرزها الكاتب في صورة جمالية رائعة، رغم مصيرهما المؤسف عندما تهب العاصفة ويقعان – مع بحارَين آخرين – إلى البحر ولا يعودان، بينما يصل (فرج) إلى الشاطئ، يقول النص على لسان (فرج): " تسرّب خبرنا أن سفينة نصف ميتة، وربانًا أعمى، وسيبًا بدون ساق، وعبد آخر سيدخلون الغوص مع (فرج الدقس)، فكان مثار استغراب واستهجان وضحك سكان (ظويلم) ، وكلمات اقتربتُ من مقهى الغواصين كان المقهى يهيجُ بالضحك والأصوات المُتهكمة".    لكن العبرة في النهاية ، حيث يحصل (فرج) على ثمن حريته ويأتي بالدانات.