15 سبتمبر 2025
تسجيللقد سجلت بداية عهد سمو الأمير الوالد إلغاء الرقابة على الإعلام. وحتى يكرس سموه توجه الحرية الإعلامية فقد قام، في 1996، بإنشاء قناة الجزيرة. ولم يكتف سمو الأمير الوالد بذلك فقد قام في 1998 بإلغاء وزارة الإعلام القطرية. وقامت لجنة إعداد مشروع الدستور القطري الدائم بالتأكيد على حرية الرأي والصحافة فأدرجت مادة (47) التي تنص على أن "حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة"، والمادة (48) التي تنص على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة". وقام الشعب القطري بدوره بالتصويت على الدستور، في 2004، مؤكداً على كل مواده، ومن ضمنها تلك المادتان. ولم تكتف دولة قطر بهذا فقد قامت، في ديسمبر 2007، بإنشاء مركز الدوحة لحرية الإعلام، الذي يعد المركز الدولي الأول من نوعه الذي يتأسس في دولة غير غربية، ويهتم بتحديد الانتهاكات ضد حرية الإعلام، والدفاع عن حرية الصحافة، لضمان حق كل إنسان في التمتع بحرية التعبير والإعلام. وفي 2009 تم إنشاء المؤسسة القطرية للإعلام لتؤدي دورها في خدمة الرسالة الإعلامية. مع كل هذه التوجهات السليمة في احترام حقوق الإنسان، وحقه في التعبير عن رأيه بحرية مطلقة، بدأت في الكتابة بالشأن الداخلي لدولة قطر. وكانت كتاباتي نقدية لاذعة هدفها هو ضمان تحسين أداء المجتمع، وتجنب العقبات التي قد تعترض تنفيذ خطط التنمية التي أرسى دعائمها سمو الأمير المفدى. وعندما بدأ الحصار على قطر قمت بمقابلة معالي رئيس مجلس الوزراء قائلاً له بأنه "ليس من المروءة والشهامة أن أستمر في نقد الشأن الداخلي، في الوقت الذي تشن فيه دول الحصار حملة ظالمة على قطر وشعبها ورموزها" فقال لي معاليه "القرار لك يا دكتور وشوف الأصلح واتبعه". فتوقفت عن الكتابة لمدة ثلاثة أسابيع حتى قام الأخ رئيس تحرير جريدة الشرق بمحادثتي بخصوص رأيي في الأزمة. وقمت على إثرها بجمع المصادر والمراجع لأعرف حقيقة مع من نتعامل من الذين كنا نعدهم من "الأشقاء". ولأول مرة عرفت معنى من معاني الآية الكريمة "لقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" ق: 22. فبدأت بكتابة أول مقال في 11/6/2017 بعنوان "قطر ومقارعتها للدسائس"، وتوالت المقالات حتى بلغت 41 مقالاً كان آخرها، في 12/8/2018، بعنوان "الديار المقدسة بين التسييس والتدويل". والذي يميز مقالاتي أنها تتعلق بالتاريخ لبعض دول الحصار، مستندة على كم هائل من الوثائق التاريخية المحفوظة في الأرشيف البريطاني والعثماني، بجانب ذلك ما كتبه بعض المدونين ممن عاصر تلك الحقب التاريخية، أو ممن بحث فيها. وكانت المقالات توجع كل من المسئولين بالسعودية والإمارات الذين كانوا يريدون طمس الحقائق بمسحها من الوجود ليتمكنوا من تحويل تاريخهم الأسود الحالك إلى تاريخ ناصع البياض. وجذب انتباهي، من إحدى الوثائق، حادثة سرقة الحجرة النبوية من قبل سعود بن عبدالعزيز بن محمد آل سعود. فبدأت بالبحث أكثر في الموضوع، ووجدت أن الحادثة حقيقية، وأن بعض المؤرخين سجل سخطه على هذه الفعلة، وآخرين حاولوا أن يبرروا أن ما قام به سعود بن عبدالعزيز يعد من الناحية الشرعية أمراً مشروعاً. بعد كل ذلك بدأت بكتابة مقال لأسجل به هذه السرقة حتى لا تطمس مثل ما طمست أحداث كثيرة. وعندما أرسلت المقال إلى جريدة الشرق تفاجأت أن أخي رئيس التحرير اتصل معتذراً عن عدم قدرته على نشر المقال. فبدأت بالبحث عن الأسباب الحقيقية في منع نشر مقال "آل سعود وسرقة الحجرة النبوية"، وكانت لدي الرغبة في توجيه أصابع الاتهام إلى رئيس تحرير جريدة الشرق، أو إلى من يدير المؤسسة القطرية للإعلام، التي حلت محل وزارة الثقافة والإعلام. ولكن، والحمد لله، أنه بعد البحث المعمق وجدت أن من اتهمتهم، قبل البحث في الموضوع، طلعوا كلهم براءة. فرئيس التحرير الذي دعمني في كل المقالات، سواء المتعلقة بالشأن الداخلي أو بدول الحصار، لم يكن ليصدر مثل ذلك القرار إلا لأمور يراها، بحسب الخبرة والممارسة، ولا أراها. أما المؤسسة القطرية للإعلام وبعد البحث وجدت أن رئيس مجلس إدارتها هو نفسه الذي يرأس شبكة الجزيرة الإعلامية، ومركز الدوحة لحرية الإعلام، وكان عضواً معنا في لجنة إعداد مشروع الدستور القطري الدائم. أما رئيسها التنفيذي فهو أخ كريم يؤمن بحرية الإعلام لأبعد الحدود. بعد ذلك أخذت المقال لأحد القانونيين، وطلبت رأيه بالموضوع. وبعد يومين قال لي بالحرف الواحد "احمد ربك على أن المقال لم ينشر، فكل فقرة يمكن أن تدينك، لأنك عممت ولم تخص" فقلت له "ولكنها حقائق تاريخية وعندي الوثائق على ذلك". قال رداً على كلامي "إن الوثائق التي تتكلم عنها خصت شخصية معينة ولم تعمم". عند ذلك استكانت نفسي وعرفت أن الموضوع ليس شخصياً وليس محاباة لدول الحصار. وفي الختام أقول بأني عندما أكتب في أي موضوع فإنني لا أقصد التشهير بأي جهة، وليس هدفي هو خلق أي بلبلة اجتماعية، أو سياسية، بل القصد الرئيسي من المقالات هو وضع الحقائق أمام القارئ، والرد على دول الحصار بكشف دسائسهم على شعوبهم الغافلة، والمخدوعة بما يقوم به مسئولوهم. صحيح أن الحجرة النبوية سلبت محتوياتها من قبل سعود بن عبدالعزيز بن محمد آل سعود، وهو أمر حدث وانتهى في 1805، ولكن السلب والنهب لمقتنيات الشعب السعودي، وللأسف الشديد، لم يتوقفا. فالسعودية التي حباها الله بكل الثروات المعدنية من نفط وذهب ونحاس وبوكسيت وفوسفيت وغيرها من المعادن النفيسة يذهب خيرها لخارج الحدود، أو لفئة قليلة من الناس، في حين أن أعداداً كبيرة من الشعب السعودي لا تزال تعيش تحت خط الفقر، وأعداداً أكبر لا تجد المسكن. أما العاطلون عن العمل من الشعب السعودي، فحدث ولا حرج، فالأرقام الرسمية تذكر أنهم وصلوا إلى 12 % (الأرقام الحقيقية تذكر أنها تزيد عن 25 %) من إجمالي عدد السكان. والله من وراء القصد ،، [email protected]