14 سبتمبر 2025
تسجيلعندما تحركت الحكومات الغربية متأخرة لمحاربة "داعش" كان الدافع المعلن هو "حماية الأقليات الإثنية والدينية"، ورغم أن ما فعله التنظيم المتطرف ضد المسيحيين في الموصل وما حولها يعد جريمة إنسانية، فلنا أن نسجل استغرابنا في سرعة القرار الفرنسي بترحيل الكثير من العراقيين المسيحيين إلى فرنسا بعكس المواقف السابقة تجاههم، ولا يجد الأمريكان ضير من تسمية "الإزيديين" بأنهم ضحايا تجب حمايتهم، فيما هبَّ الجميع لدعم الأكراد الذين انهزموا أمام جحافل داعش، ولم تنتظر إيران لمعرفة الرأي العالمي في تدخلها، فقد أرسلت المزيد من قادة الحرس الثوري والأسلحة والمقاتلين لدعم جيش ومليشيات المالكي المخلوع لمقاتلة التنظيم، والجميع اليوم يتحدث عن" الدولة الإسلامية"، فضاع دمها بين الدول.أما السنة وهم الفئة الأضعف والأكثر إقصاء واتهاما بين الشعب العراقي فلا يجدون من يتكلم عنهم، رغم أنهم المكون الثاني الأكبر للشعب العراقي، وأبناء العشائر السنية في غرب ووسط وشمال غرب العراق، تعرضوا خلال عشر سنوات مضت لأكثر وأبشع مما تعرضت له الأقليات التي استهدفها التنظيم، وجاء التنظيم كما ذكرت في السابق لمعاقبة الأكراد والإزيديين والشيعة الذين تورطوا في مذابح أهل السنة، ومحاصرتهم لسنوات عدة، فيما لم تذكر أي دولة عربية سنية من جوار العراق أو غيرها حق أهل السنة في حصتهم السياسية أو الدفاع عنهم طيلة سنوات مضت، أو مناقشة مصيرهم اليوم.كان من الواجب على الدول العربية التي شاركت في اجتماع جدة مؤخرا ومؤتمر باريس أمس، الدول الخليجية والأردن ومصر على الأقل، أن تناقش خطة لحماية المناطق السنية وأبناء العشائر التي تقع تحت سيطرة تنظيم داعش قبل الخروج من هناك بالبشرى الأمريكية، أن العرب دعموا التحالف الغربي ضد التنظيم بلا حدود.إن الجميع يعلم أن الحرب على التنظيم ستكون حرب طيران، ولن يستطيع الأمريكيون أو الحلفاء جميعهم الدخول في حرب برية ومشاة عسكرية وإعادة احتلال عالمي لأراض عراقية من جديد، فيما قاسم سليماني وفيلق القدس والإخوة الأعداء ما زالوا على الأرض هناك بنزعتهم الثأرية والانتقامية والتطويعية، وإذا ما دحرت قوة التنظيم أو أُخرج إلى سوريا فهذا سيفتح باب الانتقام من المناطق السنيّة بذريعة إيوائها لمقاتلي داعش وانخراط الآلاف من شباب العشائر معهم طوعا أو خوفا.الدول العربية السنيّة لا تستطيع إخفاء خشيتها من المد السياسي الشيعي الذي تقوده إيران في منطقة الخليج والعراق وسوريا، وهي وجدت فرصتها في مقاتلة إيران عبر دعم المعارضة السورية وبعض الزعامات والسياسيين العراقيين الذين ليس لهم أي تأثير على الأرض، وكل ما يملكونه تصريحات كلامية عبر وسائل الإعلام طيلة سنوات خلت، ورأينا كيف يتهم قادة عسكريون وسياسيون إيرانيون وسوريون دول الخليج بالاسم بأنها تدعم المقاتلين السنة وجماعات المعارضة وتمدهم بالمال، ولكن هذا ليس بكاف، بل على دولنا أن تعلن وقوفها مع أهل السنة وحمايتهم من الثأر الجماعي الذي تؤمن به وتقوم به جماعات مسلحة تابعة للأنظمة في العراق وسوريا، مدعومة من إيران علناً.إن المراقب لا يجد مبررا لصمت دولنا على المذابح التي ارتكبت بحق أبناء العشائر السنية في محافظات الأنبار ونينوى والموصل طيلة سنوات من حكم المالكي والجعفري أثناء وبعد الاحتلال الأمريكي، وكنا نسمع من قادة العشائر هناك أن السنة يهربون إلى القوات الأمريكية لحمايتهم من المليشيات المتطرفة المدعومة من إيران، ودون اتهام إيران بأنها تريد قتل المدنيين، بعد أن أخذت ثأرها مع نظام صدام حسين ودعمت تصفية كبار العلماء والخبراء والقادة والطيارين على أيدي جماعات إجرامية وعملاء لطهران وإسرائيل استغلت الفوضى في العراق بعد سقوط النظام السابق ونفذت خطة التطهير ضد العلماء والخبراء الذين صعدوا زمن نظام صدام حسين ولم تستقطبهم الدول الغربية.إن الخشية اليوم باتت قاب قوسين أو أدنى مع إطلاق الصافرة للتحالف العالمي بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا، ليعود إلى شمال العراق في مهمته لوقف تمدد قوات داعش جنوبا وشرقا، وتطهير مناطق السنة من التنظيم ومقاتليه، من أن الباب سيفتح لعمليات انتقام بشعة ستقوم بها قوى طائفية متطرفة أخرى تعيدنا إلى المربع الأول بعد احتلال العراق، وسيكون الضحايا الأطفال والنساء في الأغلب كما حدث سابقا، وتحت جنح الصمت كما حدث دائما، وسيعود الأكراد إلى إغلاق مدينة الموصل كما في سابق عهدها، وسيمنع السُنة والبدو وأبناء العشائر هناك من بناء بيوتهم كما حدث في الماضي، فمن سيحميهم حينئذ؟ التحالف أم فيلق القدس وحكومة حزب الدعوة أم البيشمركة الكردية المهزومة؟!