14 سبتمبر 2025
تسجيلأعتقد أن من سبقني بالإشادة بقرار رفع مرتبات موظفي الدولة مدنيين وعسكريين إلى أكثر من 50 % لن أبلغ مستوى إشادتهم لأنهم كانوا أبلغ مني لغة وأقدر مني على التعبير، لكن يقتضي الأمر أن أنضم إلى ذلك الرهط بالثناء والتقدير لكل من فكر واقترح وأمر ونفذ ذلك القرار انطلاقا من قوله تعالى "لأن شكرتم لأزيدنكم " .لكن يجدر بنا نحن أهل الرأي أن ننبه إلى أن هذه الزيادة قسمت المجتمع في قطر إلى أقسام، قسم موظفي الدولة بكل فئاتهم من القطريين، وهؤلاء شملتهم الزيادة، الموظفين القطريين في القطاع الخاص لم يأت ذكرهم في قرار الزيادة فاعتبروا مستثنين من ذلك القرار، والقسم الأخير الموظفين من العرب المقيمين معنا والعاملين في القطاعين الخاص والعام قد استثنوا من تلك الزيادة . قد يسأل سائل لماذا لم آت على ذكر الموظفين في القطاعين من غير العرب وأطالب لهم بأن يشملهم القانون، أقول هؤلاء ــ العمالة الآسيوية ــ على سبيل المثال إنفاقهم لا يبلغ إنفاق المواطن العربي، فالأخير يسكن سكنا لائقا به وهو مرتفع الإيجار، ويلبس ويعلم أولاده في أحسن المدارس وأغلاها رسوما ويرتاد أفضل المطاعم وكل تلك المؤسسات.. المدارس ومحلات بيع الملابس والمجوهرات والمكتبات ملك لقطريين وهم الرابحون في حالة زيادة الإقبال على أماكنهم التجارية أيا كان نوعها، بمعنى آخر أنه ينفق أكثر من ثلاثة أرباع دخله في داخل الدولة وذلك بخلاف العمالة الأخرى الوافدة وعلى هذه القاعدة جرى تمييزي بين الفئتين. إن هذا التمييز بيننا وبين إخواننا العرب العاملين معنا في كل مرافق المجتمع قد يخلق نوعا من الاهتزاز في الأداء والولاء وهذه طبيعة الإنسان . قد يقول قائل، الذي ما يعجبه من إخواننا العرب عليهم بالرحيل عنا، وهذا قول لا تقبله قيادتنا السياسية العليا وعلى قمة تلك القيادة سمو الأمير المفدى ويليه سمو ولي عهده حفظهما الله ورعاهما بعنايته، لأنه يتنافى مع مفهوم العدالة والإنصاف، صحيح أن المواطن القطري أحق بالرعاية والاهتمام، وصحيح أنه صاحب الحق الأول، ولكن شرعنا السماوي يقول "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه (العربي) المسلم ما يحبه لنفسه" ومن هذا الشرع نقطة انطلاقي في معالجة هذا الشأن. ( 2 ) ارتفاع مستوى الأسعار يعبر عنه بمصطلح التضخم أو انخفاض القيمة الشرائية للنقود. ومن هنا يمكننا أن نتناول بعض طرق الحد من التضخم لابتلاع الزيادة الحاصلة في دخول موظفي الدولة من القطريين وبعض المؤسسات نظرا لطبيعتها الحكومية كمؤسسة (كيوتل). لاشك بأن هناك مطالب ملحة من موظفي القطاع الخاص وشبه الحكومي أو ما يمكننا أن نطلق عليه المؤسسات الخاصة المشتركة مثل البنوك التي تساهم الدولة في رأسمالها ومؤسسات البترول والغاز مثل راس غاز وغيرها هؤلاء يشعرون بالحسرة لأنه لم يشملهم قرار زيادة معدلات الدخول التي أشرنا لها. في حالة إقدام القطاع الخاص مثل الشركات الكبرى في كل المجالات على رفع معدلات الرواتب والأجور لموظفيها فإن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض معدلات الأرباح لمبيعاتهم أو لمنتوجاتهم إن كانت صناعية أو مقاولات، ولتعويض ذلك الانخفاض في معدلات الأرباح فإن تلك المؤسسات ستعمل على رفع أسعارها ومن هنا تبدأ الحلقة المفرغة ارتفاع معدلات المرتبات والأجور يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. ( 3 ) ما هو دور الدولة في هذا المجال؟ في تقدير الكاتب على الدولة أن تعيد النظر في أسعار الوقود (بنزين، زيوت، ديزل) وغير ذلك من منتوجات النفط والغاز الأمر الذي يعد مساهمة من الدولة لتخفيض أسعار النقل . إعادة النظر في تكلفة تجديد السجل التجاري وترخيص البلدية، إعادة النظر في مستويات إيجارات المحلات التجارية وتخفيضها بمقدار ارتفاع نسبة التضخم العالمي والمحلي، إعادة النظر في تكلفة الإقامة للعاملين في المحلات التجارية الاستهلاكية والإنشائية وغيرها، كل هذه الأمور ستؤدي حتما إلى الحد من جماح التضخم، فلا يمكن أن ترتفع الإيجارت بنسبة 10 % مثلا ويظل سعر السلعة كما كان قبل رفع الإيجارات وإلا فإننا ندفع بالتاجر إلى الإفلاس وهذا ما لا تقبل به الدولة، قد يقول قائل: إن تخفيض أو الحد من ارتفاع إيجارات المحلات التجارية سيؤدي إلى إحجام الملاك من الاستثمار في العقار التجاري، يمكن الرد على ذلك القول بعمل دراسة عن المحلات التجارية المشغولة وكذلك غير المشغولة القديمة الإنشاء والحديثة والبحث عن وسيلة تحقق لصاحب العقار ربحا مجزيا وغير مجحف بالمستأجر . الملاحظ أن محلات تجارية عمرها أكثر من عشر سنوات وفي كل عام يطالب المالك المستأجرين برفع الإيجار أو إفراغ المحل علما بأنه قد استرد رأس ماله كاملا بالتقادم وحقق تراكما رأسماليا ضخما فلا يجوز أن تقارن المحلات التجارية ذات العمر مع المحلات التجارية حديثة الإنشاء والتي تتوفر فيها كل التسهيلات الراهنة، وعند رفع الإيجار للمحلات التجارية يجب أن يكون في نهاية كل دورة اقتصادية والتي مدتها خمس سنوات. آخر القول: الدولة والتاجر والمستهلك مطالبون جميعا بالحد من التضخم الراكض، وإلا سنبقى ندور في حلقة اقتصادية مفرغة تضر بنا جميعا.