10 سبتمبر 2025
تسجيلأي الإسماعيلين أرثي؟ إسماعيل الذي أفنى عمره في خدمة قضيته؟ أم إسماعيل الشاب الذي كنا نقرأ شعور الخذلان والمرارة والغضب في عينيه كلما رأيناه على شاشة الجزيرة وأحلام شاب ضاعت بسبب الحرب؟ أرثيهما أم أرثي حال أمة حتى مشاهد الأطفال بدون رؤوس لم تعد كافية لتحرك نخوتها؟ في زمنٍ اختلطت فيه الآلام بالأحلام، وتراكمت فيه المرارة على الوجوه كأنها جزءٌ لا يتجزأ من ملامحها، نتوقف اليوم لنرثي إسماعيلين، إسماعيلان جمعتهما القضية وفرقهما القدر، بين القائد الذي فقد أعز ما لديه وأكمل المسير، وبين الشاب الذي ضحى بكل شيء ليصبح صوتًا لمعاناة شعبه، نرثيهما اليوم بقلوبٍ مثقلة بالألم، وعيونٍ تدمع كلما تذكرت وجوه الأطفال التي لم تحرك نخوة أمة. القائد إسماعيل هنية، الرجل الذي حمل على عاتقه أعباء قضية لا تنتهي، وصبر على فقدان أعزائه واحدًا تلو الآخر، بصلابة لا تتزعزع، وقف أمام طغيان العالم، محتسبًا أبناءه وشهداء عائلته، ومؤمنًا بأن الدماء التي سالت لن تذهب سدى، كان يردد دائمًا: «إنها طريق الشهادة، ولا طريق غيرها»، مؤكدًا أن التضحية هي السبيل الوحيد للتحرر، كلما تذكرت صبره وثباته، شعرت بالخجل من ضعف أمتنا وخذلانها، كيف يمكن لنا أن ننسى تضحياته؟ كيف يمكن أن نتجاهل ألم رجلٍ حمل قضية أمة على كتفيه وسار بها كل العالم رغم كل الصعاب؟ إسماعيل هنية، القائد الذي لم ينكسر رغم كل الخسارات، علمنا معنى التضحية الحقيقية، حياته كانت مليئة بالتحديات، لكنه لم يتراجع أبدًا، بل ظل صامدًا كجبل لا تهزه الرياح، لم تكن دموعه إلا دموع الفخر بأبنائه الشهداء، وأمله المستمر في تحرير الأرض واستعادة الحقوق. أما الشاب إسماعيل الغول، فهو الوجه الآخر للمعاناة، الشاب الذي لم ينعم بلحظة واحدة من الاستقرار منذ بداية الحرب، عاش حياته متنقلًا بين الأنقاض، فقد والده واستشهده شقيقه، وبقى ينقل للعالم الظالم معاناة شعبه، لعل ضمائرهم تتحرك! لكن، أين هي الضمائر؟ ترك أسرته بعيدًا عنه، حيث لم يلتقِ بزوجته وابنته ذات العام ونصف منذ عشرة أشهر، ليعيش معاناة شعبه وينقلها لنا بصدق وألم، كنا نرى في عينيه شعور الخذلان والمرارة والغضب، أحلامه التي تحطمت، وآماله التي ضاعت في غياهب الحرب، كيف يمكن أن ننسى شابًا عاش لأجل أن ينقل للعالم صوت المظلومين، وأصبح هو نفسه ضحية لذلك الظلم؟ الصحفي الشاب الذي جسد معاناة شعبه، لم تكن كلماته مجرد حروف على ورق، بل كانت نداءً للعالم بأسره ليرى الحقيقة التي يعيشها كل يوم، كان يعمل بلا كلل، يجوب الشوارع المدمرة وينقل معاناة الناس، مُلهمًا لنا جميعًا بالصبر والشجاعة، ترك وراءه زوجةً وطفلةً لم يرَهما منذ أشهر، لكنه لم يتوقف عن نقل الحقيقة، لعل العالم يستيقظ يومًا. إلى متى سنظل نتساءل: أي الإسماعيلين أرثي؟ ألم يحن الوقت لأن نرثي أمة بأكملها؟ أمة تخلت عن نخوتها، وأصبحت تشاهد مشاهد الأطفال بدون رؤوس دون أن تتحرك! رحم الله إسماعيل هنية وإسماعيل الغول، وجعل مثواهما الجنة، سيظل اسمهما محفورًا في قلوبنا، سنظل نذكرهما ليس فقط لأنهما قدما أرواحهما في سبيل قضية نبيلة، بل لأنهما رمز للتضحية والشجاعة في وجه الظلم والقهر، فلن ننساهما أبدًا، وسيظل نور تضحياتهما يضيء طريقنا نحو الحرية.