13 سبتمبر 2025
تسجيلفي كل ركن من أركان غزة، تتحدث الأرض بلغة الألم والدمار، هذه الأرض، التي تشهد على تضحيات أبطالها، تروي قصة بطولة لا يقوى على فهمها إلا من عاشها أو تابع تفاصيلها عن قرب، من أغمض عينيه أمام الدمار، خان أمانة الإنسانية، وخان أبطالاً يواجهون أعتى قوة بصدورهم العارية، وهم لا يملكون إلا إيمانهم بحقهم في هذه الأرض. تسعة أشهر وقبلها منذ سنوات طويلة، وأهل غزة يعيشون تحت وطأة القصف والحصار، تتحول لياليهم إلى كوابيس وأيامهم إلى مشاهد من جحيم، ومع كل مجزرة جديدة، تزداد قلوبنا ألماً وتفقد كلماتنا معناها، بين الركام والدمار والأشلاء، تظهر ملامح الصمود والإصرار والثبات، تظهر العزائم التي لا تلين، تظهر الأمهات اللواتي يبكين شهداءهن ويحتضن أطفالهن بعيون تحمل أملاً لا ينطفئ وصبرًا منقطع النظير يبهر من يشاهده. في هذا السياق، يبدو العالم كأنه أصيب بالصمم والعمى، يستمر الصمت الدولي، والخذلان العربي، وتستمر الحياة في العواصم الكبرى دون أن يهتم أحد لحجم الحقد الإسرائيلي والقنابل المدمرة والقصف بهمجية في غزة أو لصور الجثث المتناثرة وأعدادها، مجازر كثيرة خلّفت أكثر من 40000 شهيد حتى اللحظة وعشرات آلاف المصابين، كم من مجزرةٍ أخرى يجب أن تحدث حتى يتحرك الضمير العالمي؟ كم من طفلٍ يجب أن يفقد حياته حتى يصرخ أحدهم «كفى»؟ كم وكم وكم ؟؟ رغم كل هذا، يظل أهل غزة في رباطهم، من شمال القطاع إلى جنوبه، يتحد الجميع تحت راية الصمود والمقاومة، يلتفون حول أبطالهم، يدعمونهم ويطالبونهم بالمزيد من الضربات الموجعة للاحتلال حتى تحقيق النصر، يظهر هذا الالتفاف في كل مشهد، بعد كل مجزرة، وفي كل كلمة تخرج من أفواه الكبار والصغار، يدعمون المقاومة بكل ما يملكون، يرون فيها الأمل والمستقبل، ويؤمنون بأنهم سيحققون النصر مهما طال الزمن. ورغم قلة الإمكانيات وشح الطعام، يظل أهل غزة متمسكين بالحياة، تجد الجميع يعمل بجد، يوزعون الطعام المتاح، يسعفون الجرحى، ويقومون بما يستطيعون للتخفيف من آلام بعضهم البعض، الأطفال يتعلمون في خيامهم، والأمهات يخبزن الخبز بأبسط الأدوات، والرجال يبنون ما دمره القصف بأيديهم العارية، حتى أنهم يقيمون الأعراس بعض الأحيان، وهذا يثبت أن أهل غزة قادرون على الصمود والاستمرار، وأن الحياة لا تتوقف مهما كانت الظروف قاسية. من أغمض عينيه أمام الدمار خان، من تجاهل صرخات الأطفال ودموع الأمهات خان، من تغافل عن الحقيقة خان، من باع ضميره خان، وسيبقى الحق أقوى من الظلم. وأمام صمت العالم وخذلانه، يتحدث صمود غزة بأعلى صوت، ينادي على ضمائرنا، يذكرنا بإنسانيتنا، ويؤكد أننا نقاتل العدو لأننا أصحاب الأرض، لأن هذه الأرض هي حقنا، ولن نتخلى عنها مهما كانت التضحيات.