13 سبتمبر 2025

تسجيل

مُت نافعاً

16 أغسطس 2022

مُت فارغاً "Die Empty" عنوان كتاب للمؤلف الأمريكي تود هنري، صدرت طبعته الأولى عام 2013، واستلهم فكرته أثناء حضوره جلسة للأصدقاء، عندما سأل أحد الحضور: ما هي أغنى أرض في العالم ؟ فأجابه أحدهم: بلاد الخليج الغنية بالنفط، وأضاف آخر: مناجم الألماس في أفريقيا، ولكن أحدهم عقّب قائلاً بغرابة: بل هي المقبرة !! استغرب الحاضرون من جوابه فرد عليهم قائلاً: نعم إنها المقبرة، هي أغنى أرض في العالم، لأن ملايين البشر ماتوا ورحلوا إليها وهم يحملون الكثير من الأفكار القيّمة التي لم تخرج إلى النور، ولم يستفد منها أحد سوى المقبرة التي دُفنوا فيها ! ألهمت هذه الإجابة تود هنري لكتابة كتابه "مُت فارغاً "، والذي قدّم فيه عُصارة أفكاره لتحفيز الناس بأن يُفرّغوا في مجتمعاتهم وبين البشر كل ما لديهم من أفكار وطاقات، وتحويلها إلى شيء ملموس قبل فوات الأوان. وأجمل ما قال تود هنري في كتابه: "لا تذهب إلى قبرك وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك، اختر دائماً أن تموت فارغاً". وبعيداً عن ما قدّمه المؤلف في كتابه هذا، لو تمعنّا جيداً في كتاب الله العظيم وسنة نبينا الكريم لوجدناها تحدثت بآياتها ونصوصها عن تفاصيل حياة المسلم والسبل الخيّرة للعمل ما هو نافع للإنسان في دنياه وآخرته، وكما جاء في "صيد الفوائد " فقد أمر الله عز وجل المؤمنين بالمسارعة إلى الصالحات والمسابقة في عمل الخيرات وذلك في قوله سبحانه وتعالى ( وَلِكُلٍّۢ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ). وحث النبي صلى الله عليه وسلم على المبادرة والمسارعة في عمل الخير، قبل أن تتغير النفوس وتتقلب القلوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بالأعمال فِتَنًا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا ". ويقول عليه أفضل الصلوات والتسليم: "خير الناس أنفعهم للناس"، ومن الأحاديث التي تحث الناس على العمل النافع ولو كانت في أحلك الظروف ما رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح بقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها "، وفيها تشجيع على العمل وأنه ينبغي أن يكون المؤمن ذا عمل وليس ذا بطالة وكسل كما يفعل بعض الناس. ولو عدنا إلى كتاب تود هنري "مُت فارغاً" فقد يندرج تحته أن يموت الإنسان وهو خالياً من الهموم ومن الآلام والمعاصي والآثام، ولكنه قد يموت وهو مساهم بإلحاق الضرر في الناس كما هو حال أصحاب الاختراعات المدمرة للإنسان ومحيطه وأصحاب الأفكار الهدّامة والنظريات المتطرفة والمنحلّة، فالموت "فارغاً" لا بد أن يسير في اتجاهين إما الخير أو الشر، والمحظوظ من مات وهو صالح القلب ومنجي نفسه من عذاب الآخرة (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)). فاصلة أخيرة أن تموت "فارغاً" مرتاح البال وقرير العين وممتلئ القلب بالسكينة فلا سبيل إلا ببذل العمر الذي علمه عند الخالق بعمل الخير وبذل البر وكل ما يرضي المولى عز وجل، هذه هي الترجمة المُثلى لأن تموت بعد أن " تُفرّغ " ما تملكه من أعمال خيّره ترجي بها رضا ربك والفوز برحمته وجناته. [email protected]