19 سبتمبر 2025
تسجيلبمناسبة مرور 75 عاماً على تقسيم شبه القارة الهندية أُعيد طرح الأسئلة القديمة الجديدة التي لطالما طُرحت منذ اليوم الأول للانفصال عام 1947، وعلى رأسها سؤال المليون هل كان انفصال باكستان وتقسيم شبه القارة الهندية ضرورة؟، وهل لو عادت عقارب الساعة إلى الوراء لأختير خيار الانفصال على خيار البقاء كشبه قارة هندية واحدة؟ لكن ربما تطور سياق الأحداث الهندية تحديداً هذه المرة قد تطرح السؤال بشكل مغاير، ومن زاوية مختلفة؟ ومفاد السؤال: هل كانت باكستان هي المسؤولة عن تحمّل نتائج وإفرازات الانفصال؟، بمعنى هل الانفصال باكستاني؟ أم أن الانفصال في جوهره هندي؟ لاسيما مع انحدار الهند في فترة السنوات الأخيرة إلى منحدر التعصب والتطرف ورفض العيش المشترك، حتى مع المسلمين الذين فضّلوها على باكستان وبنغلادش اللتين قامتا في البداية على أساس العقيدة والدين وأساس نظرية الأمة، فضلاً عن صعوبات العيش المشترك الهندي مع أديان أخرى كما رأينا بشكل واضح كالمسيحيين والسيخ في الهند. لا يشك أحدٌ ولا يجادل حتى علمانيي الهند اليوم من أن الهند الأخيرة ليست هي الهند التي تركها الآباء، ولا الهند التي أرادها نهرو وغاندي غداة الانفصال عام 1947، وليست هي الهند التي ناضل من أجلها سياسياً حزب المؤتمر الذي استأثر بالحياة السياسية الهندية لعقود، وعلى مرّ ثلاثة أجيال مؤتمرية، وبالتالي فإن ما يجري اليوم ضد المسلمين بشكل عام، وما يجري من ممارسات ممنهجة في خنق حرية التعبير والصحافة ليس تشويهاً للهند داخلياً وخارجياً فحسب، وإنما هو انقلاب على إرث الآباء والأجداد، وانقلاب على فكرة الهند العلمانية، كأكبر دولة ديمقراطية علمانية في العالم، مع الإشارة إلى أن منتوج العلمانية الهندية هو المنتوج الأهم الذي سعت القوى الغربية إلى ترويجة وتسويقه عالمياً في نجاح نسخة العلمانية الهندية بالحكم، ودعوة الآخرين للتأسي والإقتداء بها، ما دامت قد نجحت وترسخت على الرغم من وجود أديان وأعراق متعددة فيها، لكن ما جرى في الفترة الأخيرة نسف كل هذه الدعايات، وأعادنا إلى المربع ما قبل الأول، وهو توجيه اللوم والعتاب والمسؤولية هذه المرة للهند في التسبب بالانفصال والتقسيم لشبه القارة الهندية. هذه الحالة من التطرف الهندوسي، والاعتداء الفظ والمكشوف على المسلمين وممتلكاتهم في الهند، كشف بأن باكستان ومسلميها كانوا على صواب منذ اليوم الأول لانفصالهم عن الهند، وإلاّ فمن المتعذر البقاء تحت سماء واحدة وفوق أرض واحدة، في ظل هذه الظروف المتصاعدة والمهددة بالخطر الحقيقي على المسلمين، فإن كان الذي فضّل البقاء مع الهند جزاؤه اليوم ما يحصل له من أمثال محمد زبير وعائشة وغيرهما، فماذا سيكون جزاء المسلمين الباكستانيين الذين فضلوا المقاومة في كشمير وأفغانستان على العمل السياسي والمدني كمحمد زبير وغيره، فيما إذا فضلوا خيار البقاء مع الهند على خيار الانفصال والتقسيم؟! تسيّد حزب جاناتا بارتي الهندوسي المتطرف الذي لا يُخفي أيدولوجيته الهندوسية المتطرفة للمشهد السياسي الهندي لعقدين ماضيين نذير شؤم ليس للساحة الباكستانية ولدول الجوار ولربما العالم كله، وإنما نذير شؤم حتى للهند ذاتها والفكرة التي قامت على أساسها، وعلينا ألاّ ننسى بأن الهند تشكل ربما سدس سكان البشرية، حيث بدأت المؤشرات تشير إلى أنها ستتقدم حتى على عدد سكان الصين في الفترة المقبلة، مما يعني أن المشكلة الهندية والتطرف الهندي لن يبقى حبيس الحدود الهندية وإنما سيتسع ويتمدد، خصوصاً مع تنامي نبرة ونزعة التطرف العالمي ونحن نرى ذلك بوضوح إن كان بظاهرة الترامبية الجديدة، أو في المد العنصري الأوربي، وكذلك ما يجري من تطرف في الصين وروسيا، وهو ما سيعطي زخماً وقوة واندفاعاً لموجة التطرف الهندوسي، كما أنه سيمنحها المبرر الشرعي والقانوني الدولي. ومع حلول الذكرى الخامسة والسبعين للانفصال والتقسيم تبقى الألغام التي تركها وخلّفها الاحتلال يوم رحيله لا تزال هي نفسها، ولا تزال معه المنطقة تدفع تركة المحتل البريطاني القائمة على التقسيم والتشتت والتمزق من أجل السيادة والحكم، وهو الذي دفعت ثمنه المنطقة ثلاثة حروب من أجل كشمير، ولا تزال الألغام والصواعق حاضرة للانفجار في أية لحظة...