23 سبتمبر 2025

تسجيل

فلسطين.. والتطبيع التآمري

16 أغسطس 2020

"عش رجباً ترى عجباً" مثل شعبيّ نستذكره، ونحن نرى واقعاً مليئاً بالعجائب والمتناقضات، تغيرت معه الكثير من المفاهيم والقيم التي كانت تتحكم في العقل الإنساني العربي، لم تعد هناك حميّة ولا نخوة ولا شهامة ولا مروءة، التطبيع مع الصهاينة أصبح إنجازاً تاريخياً، اليهود الصهاينة المذكورون في القرآن أنهم أعداء أصبحوا أبناء عمومة، معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني تحققت بين عشية وضحاها بعد أن كانت معلقة منذ سنوات. السلام والمصافحة مع العدو المحتل أهم من السلام والوئام مع من ترتبط به لغة الدين والجغرافية والتاريخ، هذا هو واقعنا اليوم مع العدو الصهيوني المحتل، الذي جسده مشروع الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي لتطبيع العلاقات بينهما بواسطة الحليف الأكبر "أمريكا"، وتعزيز المصالح المشتركة في مناحي الحياة السياحية والتجارية والدبلوماسية، في ضوء هذا الاتفاق الذي وصف بالخيانة للقضية الفلسطينية والتي من أجلها تساقطت الآلاف من جثث الشهداء وارتوت الأرض بدمائهم، وامتلأت المعتقلات والسجون بالأسرى منذ عام 1948، وامتدت المخيمات والملاجئ الفلسطينية المتناثرة بالنازحين ما بين الأراضي السورية واللبنانية والأردنية، ومن أجلها عقدت المؤتمرات للمقاطعة الصهيونية، ومؤتمرات معاهدات السلام، ولكنها كرماد عصفت به رياح المصالح. لم يكن مستغرباً ولا مفاجئاً، فاتفاقية التبادل التكنولوجي بين الإمارات وإسرائيل، وما سبقها من تعاون في مجال مكافحة كورونا، وقبلها استقبال شخصيات سياسية ودينية على أرضها مقدمة للإعلان عن اتفاق رسمي بينهما، لتضرب الإمارات عرض الحائط بشبه إجماع عربي وإسلامي على رفض التطبيع مع دولة تحتل أراضي عربية، صورة الطفل محمد الدرة عام 2000 مستشهداً في حضن والده ومضرّجًا بدمائه يتلفظ أنفاسه برصاص الصهاينة تعيد في الذاكرة العبث الصهيوني، وصورة الطفلة الفلسطينية التي تبكي بحرقة بصراخ مدوّ يزلزل القلوب على رؤية منزلها يهدم أمامها بجرافات العدو الصهيوني تؤكد الضغينة والحقد الصهيوني، مشاهد صهيونية حاقدة تتكرر يومياً، قتلى وأسرى وجثث واعتقالات وجرحي وهدم ودموع وصراخ... فأين يا معتصماه الذي زلزلت من أجلها الجيوش؟!. … أليس عجباً أن تمتد الأيادي بالسلام والمصافحة مع هذا العدو المدنسة أياديه بدماء الشهداء من دولة مسلمة عربية "أبوظبي" التي أبت أن تعقد الصلح والسلام مع دولة قطر الشقيقة بحكم الروابط المشتركة، وهي ترى الآن المشاهد الصهيونية المأساوية تتكرر؟، أين الهتافات المنددّة التي كانت تعج بها الشوارع العربية؟ وأين المقاطعة الصهيونية؟، أين اللقاءات والمؤتمرات العاجلة بعد كل عملية صهيونية؟، أليس الاتفاق الثلاثي نَسفاً وإلغاء للمبادرة العربية التي انطلقت من قمة بيروت التي تنص على مبدأ الأرض مقابل السلام وانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 67؟، من يضحك على الآخر؟، أين السلام الذي يزعمونه وأيادي التخريب ما زالت تطول دولاً عربية وتعاني منها بهدف وأد الديمقراطية من خلال قيادة ما يسمى بالثورات المضادة من ليبيا ومرورا بسوريا واليمن، ومحاولات التدخل في تونس والجزائر والعراق لإثارة الفتن؟. الاتفاق الثلاثي لم يخدم القضية ولا أبناء القضية إلى هذا التوقيت قبل الانتخابات الأمريكية، فربما يريد ترامب أن يظهر للشعب الأمريكي أنه إنجاز رغم أن السياسات الخارجية لا تعني الشعب الأمريكي بقدر ما تعنيه قضاياه الداخلية - جائحة كورونا، الاقتصاد -، ويبقى السؤال في ضوء اتفاقية التطبيع، هل ستتوقف الممارسات الصهيونية في الأراضي المحتلة؟! هل سيمارس الفلسطينيون شعائرهم الدينية في المسجد الأقصى بكل أريحية؟! هل سيتوقف زحف الاستيطان اليهودي؟، هل سيتوقف نهائياً ضم أجزاء من الضفة بالرغم من أن رئيس الكيان الصهيوني صرح بأن هذا التجميد مؤقت كما صرح بذلك السفير الأمريكي في إسرائيل، مما يدّحض ما تدعيه "أبوظبي"، في الموافقة على اتفاقية التطبيع؟. …. لا يهم الفلسطيني أن يُقتل ويُشرد ويُسجن، لا يهم مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى أن يُدّمر ويُدّنس ويُحرق ويُغلق في وجوه المصلين، لا يهم أن يغتال الموساد الإسرائيلي العلماء العرب والمسلمين، أنسينا مجزرة المسجد الإبراهيمي؟، أنسينا مجازر القرى الفلسطينية والاستيلاء على مواردها الزراعية؟، أنسينا تدمير المفاعل النووي في العراق وسرقة كنوزها وآثارها؟، وغيرها من الممارسات الصهيونية التي ما زالت حتى مع اتفاقية التطبيع الإماراتي الإسرائيلي في الوقت الزمني وجهت المدفعية الإسرائيلية فوهتها لقصف نقطة رصد المقاومة شرق رفح كما نقلته قناة "الجزيرة" تلك هي إسرائيل، التي لم تغيرها معاهدات سلام سابقة ولا معاهدات لاحقة، وستبقى اتفاقية التطبيع بين الإمارات والكيان الإسرائيلي طعنة جديدة في خاصرة الأمة الإسلامية والعربية، يستنكرها كل من يحمل في عروقه دم العروبة والدين، ووصمة عار على جبين "أبوظبي" ستسجلها كتب التاريخ للأجيال السابقة، وصدق ما وصفه الخبير السويدي لحال العرب بجملة واقعية مختصرة فقال: "أبطالهم في القبور، ومصلحوهم بالسجون، وخونتهم بالقصور". [email protected]