11 سبتمبر 2025
تسجيلمساندة تركيا في أزمة الليرة ينسجم مع مواقف قطر المبدئية والاستراتيجية توقيت وأجواء الزيارة يعكسان حرية وقوة القرار القطري تداعيات الزيارة ودلالاتها نقلة نوعية في علاقات البلدين العلاقات تاريخية وقوية ويدعمها تطابق المواقف تركيا وقفت إلى جانب قطر وكانت نعم الشقيق والداعم في كل الأوقات وبلا مزايدة المتأمل في ملف العلاقات التركية القطرية، يلحظ تقارباً كبيراً، يصل إلى حد التطابق في وجهات النظر، حول كافة القضايا العربية والإقليمية والدولية، وعلى الرأس منها ملف الإرهاب وتطورات المنطقة والقضية الفلسطينية، وطرق معالجة الأزمات التي تتصدر المشهد الدولي والإقليمي. ومن مظاهر هذا التقارب، تأسيس اللجنة الاستراتيجية التركية القطرية العليا عام 2014 التي عقدت اجتماعها الأول في الدوحة عام 2015، برئاسة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. والتي دفعت بالعلاقات بين البلدين إلى آفاق أكثر رحابة على كافة المستويات من خلال 22 اتفاقية تشمل كافة مناحي التعاون، السياسية، العسكرية والاقتصادية والأمنية والمالية والصناعة، بالإضافة إلى التعليم والطاقة. لقد بلغ مستوى التعاون بين البلدين أعلى مستوياته مع توقيع اتفاقية التعاون العسكري والصناعات الدفاعية والتي تنص على إنشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضي القطرية، كما نصت الاتفاقية أيضا على إمكانية نشر متبادل لقوات تركية في قطر وقطرية في تركيا، وترتب عليها تأسيس قاعدة عسكرية تركية في قطر، وهي الأولى من نوعها. وتعزز هذا التعاون المميز مع انعقاد الاجتماع الثاني للجنة العليا بمدينة طرابزون التركية في ديسمبرعام 2016، والذي شهد التوقيع على مذكرات تفاهم في مجالات عدة تسهم في دفع العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستويات تلبي طموحات الشعبين الشقيقين. موقف تركي أخلاقي مشرف وقد تعززت تلك العلاقات وأخذت طابعاً خاصاً خلال أزمة الخليج الأخيرة، وما نجم عنها، وخاصة مؤامرة الحصار الظالم على قطر، حيث وقفت تركيا موقفاً أخلاقياً شجاعاً، ينتصر للحق وللحقيقة، رافضة لمؤامرة الحصار بعيدا عن أي مزايدات إقليمية، وهي خطوة لا تقل أهمية عن موقف قطر الأصيل من المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تعرضت لها تركيا قبل الأزمة الخليجية بعام واحد تقريبا، وقتها اختارت القيادة القطرية أيضا أن تنتصر للشرعية وللحق، تعبيرا عن احترام قطر لخيارات الشعوب ومبادئ حقوق الإنسان. والذي أصبح واحدا من أهم مرتكزات السياسة الخارجية والدبلوماسية القطرية، وفي هذا يكمن سر احترام المجتمع الدولي لقطر قيادة وساسة وسياسة. نقلة نوعية في علاقات البلدين وبالأمس، شهدت تلك العلاقات الأخوية بين الدوحة وأنقرة نقلة نوعية من خلال الزيارة التي قام بها حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى لتركيا، حيث التقى أخاه الرئيس أردوغان وتباحثا حول العلاقات الاستراتيجية الوثيقة بين البلدين الشقيقين والسبل الكفيلة بتطويرالتعاون الثنائي في مختلف المجالات، لا سيما في مجالي الاقتصاد والاستثمار. وهي زيارة تكتسب أهميتها وقوتها من توقيتها والأجواء التي تحيط بها، فهي جاءت في ظل الأزمة "العابرة" التي يعاني منها الاقتصاد التركي جراء التراجع المفاجئ لأسعار صرف الليرة، وقد كانت فرصة للدوحة التي لا تنسى مواقف الآخرين، وخاصة وقت الأزمات للتعبيرعن دعمها لتركيا، وهي تحارب معركة استعادة قيمة الليرة، فكان أن وجه صاحب السمو أمير البلاد المفدى بدعم الاقتصاد التركي بما يقارب 55 مليار ريال قطري. تكامل وتنسيق على كافة الأصعدة لا شك أن العلاقات القطرية - التركية تشهد تكاملاً وتنسيقاً على كافة الأصعدة، انطلاقاً من الرؤى المشتركة للبلدين الشقيقين في مجمل القضايا العربية والإقليمية والدولية، الأمر الذي انعكس إيجاباً على حجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي المثمر والبناء. حيث شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدوحة وأنقرة تطوراً كبيراً، إذ صعد مؤشر التعاون الاقتصادي بينهما ليتضاعف ثلاث مرات خلال فترة قصيرة، بالإضافة إلى الشركات التركية التي تعمل في قطر على تطوير البنية التحتية ومشاريع المونديال، وبلغ حجم أعمال هذه الشركات نحو 14 مليار دولار حتى نهاية عام 2016 على سبيل المثال. كما باتت تركيا واحدة من الأسواق الجاذبة للمستثمر القطري، إذ تمثل تركيا وجهة اقتصادية مهمة للقطريين؛ كونها من المناطق الاستثمارية الخصبة في كافة مجالات الطاقة والنقل والسياحة والبنوك والعقارات وغيرها. وتحتل الاستثمارات القطرية في تركيا المرتبة الثانية من حيث حجمها، حيث تخطت 20 مليار دولار، ومن المتوقع أن تقفز للمركز الأول في غضون سنوات قليلة، وتتركز تلك الاستثمارات في قطاعات الزراعة والسياحة والعقار والبنوك. تحالف يتجاوز المصالح وامام رغبة زعيمي البلدين في تنمية تلك العلاقات والدفع بها باتجاه فضاءات جديدة أكثر رحابة، بما يعود بالنفع والفائدة على مصالح الشعبين الشقيقين، يمكن القول إن هذه العلاقات قد قفزت إلى مرحلة التحالف متجاوزة المصالح المالية والاقتصادية. وهو ما ترجمه بقوة قرار إلغاء تأشيرات الدخول بين قطر وتركيا كمؤشر على متانة وقوة تلك العلاقات التي شهدت تكاملاً وتنسيقاً على كافة الأصعدة، انطلاقاً من الرؤى المشتركة للبلدين الشقيقين في مجمل القضايا العربية والإقليمية والدولية. العلاقات المالية وعلى الصعيد المالي والمصرفي، فقد كانت قطر من أكبر المشترين للأصول المالية في السوق التركية مؤخراً، وباتت مرشحة لتحل مكان المصارف الأوروبية في ظل زيادة حركة الاستحواذات الأخيرة، حيث شهدت الأعوام القليلة الماضية اتجاه عدد من المصارف القطرية نحو الاستثمار في الخارج، سواء من خلال إنشاء فروع لها في عدد من المدن والعواصم العالمية، أو عن طريق الدخول في شراكات مع مصارف أخرى لإنشاء وحدات مصرفية مشتركة. حرية القرار القطري ونحسب أن زيارة صاحب السمو أمير البلاد المفدى لأنقرة، التي تجيء في ظل تداعيات إقليمية ودولية متلاحقة وتخيم عليها حالة من التجاذبات السياسية المعقدة، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك حرية القرار القطري وقوته عندما يناصر الحق وينتصر للحرية. وإذا كان الشعب التركي الشقيق يذكر للدوحة مواقفها الأخوية المخلصة والمشرقة المنتصرة لقضاياه وهمومه عبر سنوات العلاقات المشتركة، فإن قطر وشعبها بالمقابل تقف بزهو وفخر وتقدير كبير أمام مواقف تركيا الداعمة للدوحة خلال الأزمة الخليجية.