15 سبتمبر 2025
تسجيلفي مبنى رئاسة الوزراء الأفغانية وسط العاصمة كابول، جلس الشيخ عبد السلام حنفي نائب رئيس الحكومة، وهو يتحدث لنا عن دهاليز المفاوضات مع الأمريكيين والتي دامت سنوات، الشيخ حنفي من ولاية جوزجان شمالي أفغانستان، وهو الذي يتشاطر مع زعيم المليشيات الأوزبكية الجنرال عبد الرشيد دوستم العرقية والبلدة ذاتها، وهو المقيم خارج أفغانستان، وسيئ الصيت والسمعة العرقية منذ أيام الغزو السوفياتي لأفغانستان 1979. جلس الشيخ حنفي 55 عاماً، والذي تنقل في مسيرته التعليمية من مدارس أفغانستان الشرعية إلى مدارس باكستان الشرعية، فدرس على يد الشيخ تقي الدين عثماني مفتي باكستان المعروف. لعب ضيفنا أدواراً مهمة في تاريخ حركة طالبان الأفغانية منذ عهد مؤسسها الملا محمد عمر، حيث التحق مبكراً بالحركة، وتم تعيينه رئيساً لقسم التعليم والتربية في ولاية فراه، فرافق يومها الملا هبة الله أمير المؤمنين في الإمارة الإسلامية الأفغانية، ومع سيطرة الحركة الطالبانية على كابول عام 1996 تولّى منصب نائب وزير التربية والتعليم، واستمر فيه حتى إسقاط الحكومة نتيجة الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، ومع اندلاع المقاومة ضد الأمريكيين، تولّى مسؤولية الشؤون العسكرية في ولاية جوزجان التي ينتمي إليها، وذلك إلى جانب مسؤوليته كعضو في المكتب السياسي للحركة، بالإضافة إلى عضو في مجلس الشورى العالي بتكليف من الملا محمد عمر يومها، ثم نائب لرئيس المكتب السياسي في الدوحة والذي كان يديره عبد الغني برادرز خلال عملية التفاوض مع الأمريكيين. بدأ حديثه بلغة عربية فصيحة، وهو يشرح لنا بعض جوانب المفاوضات التي أرغمت الاحتلال الأمريكي على الرحيل، ومعها يشرح أيضاً ما وصل إليه جهاد البناء الذي أطلقته إمارة أفغانستان الإسلامية حال سيطرتها على كابول والمدن الأفغانية الأخرى، ويستذكر محدثنا، أن من أهم نقاط قوة المفاوض الطالباني: الإيمان، ووحدة الموقف والهدف، بالإضافة إلى الاستقلالية التي تمتع بها المفاوض الطالباني، ويضيف قائلاً: «لقد كان التنسيق عاليا بين المفاوض والعسكري على أرض الواقع، بحيث كنا نتخذ القرار فينعكس بشكل كامل على أرض الواقع». لا يزال الكل يتذكر الموقف الطالباني الرافض لوضع العلم الأمريكي خلف طاولة توقيع الاتفاق بين الطرفين في الدوحة، إذ رفض يومها الجانب الطالباني وضع العلم الأمريكي وحيداً دون العلم الطالباني، وبعد أخذ ورد تم الاتفاق على سحب العلمين والتوقيع في غياب أي من العلمين. يستذكر نائب رئيس الحكومة كيف وجدوا البنوك الأفغانية خاوية على عروشها، حين دخلوا العاصمة كابول، فرواتب الموظفين قد سُرقت بالكامل، ولم يتبق منها شيء، بينما يبلغ عدد موظفي الحكومة أكثر من مليون ومائتي ألف موظف، وكلهم تم تأمين رواتبهم سريعاً من قبل الإمارة الإسلامية التي أُعلنت على أنقاض الحكومة الموالية للأمريكيين، وترافق هذا مع إعلان العلماء والمشايخ فتوى بالعفو العام، فكان الطالباني أو الأفغاني يجد قاتل أخيه أو قريبه في الشارع، فلا يتعرض له، مما عكس حالة الانضباط والالتزام لدى الأفغان بشكل عام ومقاتلي الحركة بشكل خاص تجاه هذا الموقف الجلل، فكان خير وسيلة لمداواة جراح اجتماعية، فعزز بذلك وجود الإمارة، وزرع الثقة في نفوس أهالي أفغانستان تجاه الحكم الجديد. حين تحدث الشيخ حنفي عن حال المعارضة الأفغانية، لاسيما في الشمال حيث معقل الأقليات التي يعتبرها البعض حاضنة من حواضن المعارضة، يرفض حنفي هذا التقسيم، وأكد على أن الشعب الأفغاني بكافة أطيافه وأعراقه وفئاته داعم للإمارة الإسلامية الأفغانية، مدللاً على ذلك بوجوده في أعلى الهرم وهو الأوزبكي. لقد اختفت المعارضة المسلحة، ولا وجود لها على أرض الواقع، وهذا دليل على بسط الإمارة الإسلامية سلطتها على كامل التراب الأفغاني، بالإضافة إلى مقبوليتها الشعبية وسط الحاضنة الأفغانية. تحدّرُ حنفي من الشمال الأفغاني دفعني لأسأله عن قناة خوشحال تبة، والتي تُعد من أهم المشاريع الحيوية التي تنفذها طالبان، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، والتي أتت على المرحلة الأولى لمشروعها، حيث يبلغ طول القناة 280 كم، ويُتوقع أن يستغرق العمل فيها عشر سنوات، وهي متفرعات من نهر جيحون الذي يمرّ في جمهورية أوزبكستان المجاورة، بحيث سيكون عرض القناة مائة متر وعمقها ثمانية أمتار، ويُتوقع أن تروي 3 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية، مما يؤمّل أن يُطلق ثورة زراعية حقيقية في ثلاث ولايات شمالية وهي مزار الشريف وجوزجان، وسار بول وهي المناطق المعروفة بخصوبة أراضيها. لقد استخدم نظام الإمارة الإسلامية في المشروع أكثر من خمسة آلاف آلة حفر، ويدور همس في باكستان وأفغانستان، عن ضغوطات تمارسها باكستان لمنع نجاح المشروع، في ذريعة بأن ذلك قد يمتد إلى نهر كونار على الحدود بينها وبين أفغانستان، مما يقلّص حصصها من المياه، ولذا فهي تمنع الإسمنت الخاص ببناء السدود وقنوات الري المتجه إلى أفغانستان، الأمر الذي فاقم حالة التوتر الموجودة أصلاً بين البلدين نتيجة عوامل عدة. وروى لي مثقف أفغاني في كابول بأنه ذات مرة طلب الرئيس الأفغاني السابق حامد كارزاي من الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي كان مقرباً منه، طلب منه بناء سدود في أفغانستان تُخلد ذكراه كما خلدت سدود أفغانستان الحالية ذكرى الرئيس محمد داود، وبعد أن وعده خيراً، رجع إليه بعد فترة ليقول له إن الدول المجاورة لأفغانستان، في إشارة إلى باكستان لا توافق على ذلك، وبغض النظر عن دقة الرواية، لكنها تعكس حالة المزاج العام الأفغاني تجاه الجارة باكستان. يعترف عبد السلام حنفي أن التحدي الاقتصادي كبير أمام الحكومة الحالية، لكننا نسعى إلى تنفيذ مشاريع كبيرة بالتنسيق مع دول كروسيا والصين وإيران، وغيرها، فالحكومة السابقة رهنت أفغانستان للجوار في مسألة الكهرباء مثلاً، إذ باتت تعتمد البلاد بنسبة 90 % على كهرباء دول الجوار من أوزبكستان وتركمانستان وإيران، ولكن عملنا اليوم يتركز على بناء السدود، وكذلك استخدام الطاقة الشمسية للتعويض عن كهرباء دول الجوار، وينفي حنفي ما يشاع عن وجود حصار دولي لأفغانستان، فنحن في حالة استقبال وفود بشكل يومي وكما ترى الوفود الإندونيسية والتركية والقطرية والإماراتية وغيرها تأتينا بشكل مستمر من أجل التنسيق والعمل سويا، ونأمل أن تتدفق وفود ودول جديدة لاقتناص فرص استثمارية كثيرة في الأراضي الأفغانية.