19 سبتمبر 2025

تسجيل

مدرسة برائحة الأرض

16 يوليو 2020

كانت المدرسة في أيامنا جزءاً من النظام العربي ومن وعي الإنسان العربي بذاته وبحقوقه. كما كانت تقوم بدور اجتماعي واقتصادي مهم وخطير، فعن طريقها كان الطلبة يتلقون المساعدات من كسوة سنوية كاملة صيفا وشتاء بالإضافة إلى رواتب شهرية بالإضافة كذلك إلى تغذية يومية متمثلة في توفير الألبان للطلبة بعد الحصة الثالثة وقبل الفسحة الرسمية بين الحصص. ومن الملاحظ أن عدد الطلبة القطريين وخاصة أهل البر "البادية" قد تراجع قليلا بعد توقف المساعدات الأخرى مع الوقت ونجاح الدولة في ترسيخ مفهوم العلم كقيمة في حد ذاته في ذلك الوقت، ولكن ما لبث حتى عاد الجميع كبارا وصغارا يطلبون العلم في ذاته ولذاته. كانت لحظة توزيع المعاشات الشهرية على الطلبة لحظة تاريخية فارقة بالنسبة لنا كطلبة صغار، لأول مرة نشعر بدخل مادي خاص بنا أذكر أنها 54 ريالاً كانت تعني الشيء الكثير في حينه، وعدد الدكاكين من حولنا لا يتعدى أصابع اليد. كنا كمن يتسوق في أحد المولات اليوم لقيمتها الشرائية في ذلك الوقت، لا يعني أنه لم تكن هناك مقاومة من بعض كبار السن لوجود المدرسة، فقد امتنع بعض كبار السن من المتشددين من إدخال أبنائهم المدرسة مدعين أنها أصلا "مفسدة". ومع ذلك خلخلت المدرسة الوعي وأظهرت التباين بين أفراد المجتمع فيما يخص العملية التعليمية، فبينما سارع البعض لإدخال أبنائه للمدرسة، تلكأ البعض الآخر بعض الشيء فأضاعوا سنين على أولادهم، بعضهم تجاوزها أو اقتنصها والبعض الآخر لم يستطع. أما بالنسبة للمرأة وتدريسها فقد أخذ المجتمع وقتا طويلا لكي يقتنع بتدريس البنت وأهمية ذلك بالنسبة لها وللمجتمع. وكانت لحظات صهر عنيفة للوعي التقليدي الذي يرى في المرأة كائنا ليس في حاجة للعلم بقدر حاجته للطاعة والانصياع لإرادة المجتمع الذكورية. كانت المدرسة عملية انصهار داخل بنية المجتمع ليس فقط المجتمع المحلي، بل المجتمع العربي الكبير، قضية فلسطين، المقاطعة العربية لإسرائيل، التحرر من الاستعمار، استرداد الذات، كل هذه القضايا كانت محورا عاما للنظام التعليمي ولطلبة المدارس. كانت المدرسة نظاماً عربياً بامتياز يعيش معه الطالب تاريخه وآمال أمته وطموحاتها. كانت المدرسة تستنبت من طينة الأرض، لا تستورد من الخارج، لذلك نباتها ونتاجها برائحة الأرض، وبلون الشمس التي تسطع، وبطعم الماء الذي يروي جذورها. [email protected]