27 أكتوبر 2025

تسجيل

أزمة التعليم 1

16 يوليو 2018

حسب إحصاءات وزارة التعليم والتعليم العالي ، فإن هنالك 5500 طالب وطالبة انتقلوا من المدارس الخاصة (العربية والأجنبية) إلى المدارس الحكومية خلال العام الدراسي 2017-2018 ، وذلك بعد تنقيح المناهج الدراسية وإيجاد بيئة جاذبة للدراسة. ( الشرق ، 4/7/2018) قد تكون تلك الإحصاءات باعثة على التفاؤل بتحقق تعليم جيد يرتبط بعملية التربية! إذ أن الوزراء الذين اضطلعوا بمساعدة سمو الأمير إبان النهضة الحديثة في دولة قطر، كانوا من نتاج المدارس الحكومية، وزارة المعارف آنذاك، وكذلك الوكلاء ، والمديرين، والسفراء ، والتجار، وغيرهم كانوا قد تعلموا في مدارس حكومية، وحققوا نجاحات في تخصصاتهم وفيما أوكل إليهم من مهام، سواء داخل الدولة أم خارجها. ذلك أن التربية قرين التعليم، ولا تعليم دون تربية ، والعكس صحيح. ولكن ماذا حصل خلال الثلاثين عامًا الماضية؟ وهل ما أنتجته المدارس الحكومية سابقًا ، وما بعد مرحلة الجامعة – خارج البلاد – يمكن مقارنته بنتاج المدارس الخاصة؟ هذا الأمر يحتاج للاعتراف بأننا مررنا بأزمة تعليم ، شاركَ فيها كثيرٌ من المخططين والإداريين والمعلمين، وأيضًا الأسرة! كون الأزمة بدأت في التشكّل ضمن ثقافة المجتمع الاستهلاكية، التي لم تعد تثق في التعليم الحكومي، وبدأت الأُسر تُدخل أبناءها وبناتها في المدارس الخاصة، معتبرة أن إجادة اللغة الإنجليزية إحدى مقومات العصر المركزية، وأنها البوابة التي يعبر بها الطالب نحو فسيحات النجاح، ويضمن الوظيفة العالية المكانة والراتب، وللأسف، فإن هذا تصوّر غير سليم! ولقد تناولناه في مقال سابق. وإذا ما أردنا وصف محددات خاصة كي نتجاوز أزمة التعليم، فإننا لا بدّ وأن نتجاوز الآتي: 1- لا بد من ربط التعليم بالتربية، لأن الطالب لا يحصل – إلّا فيما ندر- على التربية اللازمة التي تعينه على تكوين شخصيته، نظرًا لانشغال الوالدين بالعمل، واعتماد الطفل ( قبل مراحل الدراسة) على الشغالة التي يأخذ منها ثقافة ولغة ومفاهيم غير عربية ، وبعيدة عن واقعه المجتمعي. وهذا الربط لن يتحقق إلا بإعطاء المدرس دورًا آخر ، غير شرح المادة وتصحيح الواجبات. فالمدرس الكفء يجب أن يكون قادرًا على مساعدة الطالب على حلِّ أسئلة الحياة الصعبة، كي تكتمل شخصية الطالب، بتجارب المدرس وتوجيهاته ومعلوماته خارج المنهج. ويدخل ضمن ذلك: الأفكار، السلوكيات، التربية الوطنية، التفكير النقدي، سعة الخيال، ترتيب الأولويات، القيم الدينية والمجتمعية. ذلك أن الطالب إذا لم يكن يعرف الخير من الشر، ولا يدرك واجبه نحو مجتمعه، ولا يعرف كيف يخطط لمستقبله، ولا يدرك أساس وهدف وجوده على مقعد الدراسة، لا شك أنه إنسان غير مكتمل. 2- وردت في اللقاء المشار إليه – في الشرق – مع السيد إبراهيم رجب الكواري، مدير إدارة مركز معلومات الطلبة بوزارة التعليم والتعليم العالي ، أن انتقال العدد الكبير من الطلبة إلى المدارس الحكومية تحقق " بجاذبية البيئة المدرسية والمناخ الأكاديمي بالمدارس الحكومية... ووضع الإطار العام للمنهج التعليمي الوطني لدولة قطر، وتنقيح المناهج الدراسية". السؤال هنا : كيف نحقق الجاذبية في البيئة المدرسية؟ وهذا مالا تُجيب عليه المرجعيات التعليمية بدقة!؟ فهل نحقق ذلك بالتقليل من وحدات الدراسة ؟ وإضافة مساحات من الأوقات للنشاطات اللاصفية، التي تصقل خبرة الطالب؟ قد يكون ذلك ممكنًا ، ولكن يحتاج إلى إعادة النظر في شكل الصفوف والمباني والمرافق داخل المدرسة! ذلك أن الألوان لها دور مهم في تحقق البيئة الجاذبة للطالب، إضافة لنوعية النشاطات ، الآلات، المختبرات، أماكن التسلية.. إلخ. أما عن المنهج التعليمي الوطني لدولة قطر، فأعتقد، أننا ، وبعد مواجهة الحصار الذي فُرض على دولة قطر، نحتاج إلى إعادة التوازن في تفكير طلبتنا، كي يتحرروا من مرحلة المباغتة أو الصدمة ، مع ردة الفعل، إلى مرحلة الإنتاجية – التي شهدناها على المستوى الاقتصادي – ويقوم ذلك على شرح المعادلات حسب أولوياتها ، وإعادة صقل عقل الطالب حسب أنموذج التفكير النقدي، للوصول إلى التفكير الإنتاجي (Productive thinking )، وبذلك نضمن الوصول إلى الطالب/ المواطن ، الذي يُدرك الحقائق ، يُفسّرها، وتدفع به النتائج إلى الأمام ، لا أن يعيش في (حوش الأزمة)! ومن الأهمية بمكان التركيز على السلوك، ذلك أننا نلاحظ بعض طلبة المرحلة الجامعية، يمعنون في السياقة المتهورة نحو الطريق إلى المؤسسة التعليمية، لأنهم قد تأخروا في الاستيقاظ مبكرًا. وقد يتشاجرون مع رجال الأمن – في المؤسسة التعليمية – كونهم لم يحصلوا على مواقف لسياراتهم!؟ أو أن بعضهم يتأخر عن الحصة لأنه يدخن خارج المبنى!؟ وقد يتأخر أحدهم نصف ساعة دونما مراعاة للوقت أو احترام للمدرس!؟ مثل هذه السلوكيات لا تصنع المواطن القادر على التعامل مع معطيات العصر، وبالتالي ، لو حفظ المنهج التعليمي لدولة قطر، الذي نأمل أن نحصل على نسخة منه، فإنه لن يستطيع تطبيقه لغلبة الطبع على التطبع. 3- وردني تعليق من أحد الأخوة حول هذا الموضوع – عبر تويتر – وأشار فيه إلى حياة الدعة لدى بعض شبابنا، والاعتماد على كثرة السائقين لتوصيل الطلبة إلى مقار دراساتهم ، وكثرة السيارات التي تخرج من المدارس ، وأن الاعتماد على الذات جزء مهم في تركيبة الطالبة، كما أن الذهاب إلى المدارس في الباص ليس نقيصة!؟ وأنا أقدر ما ذهب إليه المتواصل، وأُعيدهُ إلى ثقافة المجتمع أيضًا، لأن ركوب الطالب للباص – في العرف الاجتماعي – أصبح عيبًا، علمًا بأننا ركبنا الباص خلال سنيّ دراستنا، ونجحنا ولم يصبنا العيب!؟ بل تعلمنا على قيمة الانتظار، ونظام النزول من الباص في المدرسة... إلخ. أنا أعتقد أن نتاج الحياة الاستهلاكية هو الذي أخرج لنا هذه الظاهرة التي تحدث عنها الأخ! فإذا كان الطالب يركب سيارة ثمنها يساوى ثمن ست أو سبع سيارات مما يركبه المدرسون؟ فكيف لنا أن نُقنع الطالب – الذي يريد أن يرى الناس أثر النعمة عليه – بالتنازل عن سيارته الفارهة ويركب الباص؟ تحضرني هنا حكاية: أن رؤساء وزارات بعض الدول الأوروبية يذهبون إلى مقار عملهم بواسطة الدراجة الهوائية (السيكل)، ولقد حضرت مأدبة أقامها سفير خليجي في هولندا قبل سنوات ، وفوجئنا بوصول أكبر سفير وخبير في وزارة الخارجية على دراجته المهترئة، ولما أشار عليه السفير أن يعود إلى منزله – بعد المأدبة – بسيارة السفارة (الكاديلاك) ، قال الخبير: هذه (الكاديلات) الخاصة بي ، ويقصد دراجته!؟ أسوق هذا المثل ، للتدليل على أن ثقافة المجتمع تتحكم في سلوكيات أهله، وأن أغلب الشباب لدينا، تستحوذ عليهم فكرة الحصول على سيارة حتى وهم في المرحلة الإعدادية!؟ لأنهم يعتقدون أن الباص لا يركبه المواطنون! وعلماء المجتمع مدعوون لمناقشة هذه الظاهرة. ( يتبع)