15 سبتمبر 2025

تسجيل

وترجل فارس القدس العربي عن عرشه

16 يوليو 2013

لا جدال عندي في أن الأستاذ عبدالباري عطوان " رئيس تحرير القدس العربي سابقا " يعتبر من أبرز الصحفيين العرب إن لم يكن أبرزهم. إنه قامة لم تنثني رغم المحن. إنه صاحب مواقف مشرفة على مستوى الإعلام العربي، لم يساوم على مواقفه رغم مغريات الحياة مالا وجاها وما في حكمهما.لم أجده في صالونات الحكام العرب أو مجالس الأمراء كغيره من كتاب الصحف المهاجرة، لم اقرأ له مقالا مادحا أو قادحا لأي نظام عربي قط. قرأت له مقالات نقدية لسياسات بعض الحكام العرب، سمعت معظم حواراته المتلفزة عربية وأجنبية كان عف اللسان في نقده للحكام العرب لكنه غير مهادن في نقده لسياسات بعض القادة العرب. اشتدت عليه حملة إعلامية ظالمة إبان حرب الخليج الثانية لا لسبب جوهري إلا لأنه كان ضد التواجد الأجنبي في بلاد العرب وضد تدمير العراق وحصار شعبه. أعلم أنه تلقى عددا من الدعوات لزيارة بغداد إبان الحرب العراقية الإيرانية، وبعد الحرب الخليجية الثانية وقبل احتلال العراق ولم يزره ليس ترفعا عن زيارة عاصمة الرشيد إلا أنه يحسب خطاه، وفي الوقت الذي يمتنع فيه السيد عطوان عن زيارة بغداد كان أرباب إعلام الأزمات من الصحفيين العرب يتوافدون على بغداد من المربد إلى القصر الرئاسي وعواصم خليجية أخرى من أجل الكسب. كان موقفه من الحرب العراقية الإيرانية واضحا في مقالاته التي يمكن الرجوع إليها. بعض أهل الخليج سيطر عليهم إعلام الأزمات وراحوا يناصبون العداء لعطوان لأنه لم ينظم إلى " جحافل الغزوة الإعلامية "على كل صاحب رأي فيما يجري في الخليج العربي من حشود وحروب وأطماع أجنبية. السيد عطوان لم يكن لعانا ولا رداحا كغيره، كان محللا لسير الأحداث وتصاعدها منبها إلى نتائج وخيمة ستحل بالعرب إن لم يدركوا مخاطر ما يفعلون، وكانت الواقعة الكبرى التي نبه عطوان لمخاطرها مبكرا هي احتلال العراق والحبل على الجرار، ونبه إلى مخاطر ما جرى في ليبيا وما يجري في سورية ليس دفاعا عن أنظمة تلك الدول فهي عنده مدانة من قبل أن يدينها بعض الزعماء العرب، لكنه مطالب بتعريب القضايا والمواجهات بدلا من القوى الأخرى وهذا رأي يحتمل الصواب والخطأ لكنه لا يستوجب التصدي والعداء. عطوان كان أول من حذر من ثورة شعبية ضد نظم حاكمة بعينها متهمة بالفساد والتبعية والدكتاتورية كان أول من تنبه إلى أن الشعب العربي مسلوب الكرامة سيثور يوما لاسترداد كرامته ورفض كل أنواع القهر والإذلال تحت أي ذريعة كانت، وأدعو كل الباحثين عن مواقف الرجل العودة إلى مقالات الأستاذ عطوان خاصة بعد " إحراق البوعزيزي نفسه " في تونس احتجاجا على هدر كرامة الأحرار. (2) حوصرت القدس العربي من كل الأنظمة العربية ومنع رئيس تحريرها الأستاذ عبدالباري من دخول عواصم عربية عديدة كما حوصرت محطة الجزيرة وأغلقت مكاتبها واعتقل مراسلوها من تلك الأنظمة فلا إعلانات تجارية في القدس ولا مدد إلا حفنة من الاشتراكات تكاد لا تروي ظمأ المحتاج وليس عندها ميزانية للاستكتاب كغيرها من الصحف العربية المهاجرة كل كتابها متطوعون إلا هيئة التحرير ارتضوا لأنفسهم بأقل المرتبات والامتيازات ورغم ذلك استمرت رغم المعاناة لأنها أي القدس العربي صاحبة رسالة، صاحبة موقف. (3) اليوم القدس العربي ترفع علما غير علم عبدالباري عطوان فمن اختطفها من رجال المال سيفرض عليها رأيه وتوجهاته حتما ستنهال عليها الإعلانات المورد الرئيسي لأي صحيفة، أخشى أن يتكاثر فيها " كتاب المارين " فتصبح كالصحف الصفراء المهاجرة تصدر من أجل المال أو تصدير فكر مضلل أو غير ذلك من الصحافة المنتظرة لمدفوعات آخر الشهر. (4) أقول وداعا للقدس العربي وداعا لكل هيئة التحرير الذين ربطتني بهم علاقة ود وتقدير واحترام من بعيد، وداعا لكم أيها الصابرون على حصار جريدتكم طيلة الخمسة والعشرين عاما الماضية، وداعا إلى أن تتضح الصورة للقدس العربي في قادم الأيام، وسنلتقي تحت راية صحيفة الشرق القطرية شريكتكم في نقل مقالاتي الأسبوعية.  آخر القول: تنحى عملاق الصحافة العربية عبدالباري عطوان عن قيادة القدس العربي، وأتمنى أن نراه في منبر آخر ليكمل المسيرة الوطنية.