03 نوفمبر 2025

تسجيل

أولو الالباب

16 يوليو 2013

العقل : اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب، والعلم باجتناب الخطأ وهو غزيرة وضعها الله عز وجل في أكثر خلقه قال الله تعالى (إنما يتذكر أولوا الألباب) الزمرد 9- الرعد 19 فإذا كان المرء في أول درجته يسمى أديباً ثم أريباً ثم لبيباً. ثم عاقلاً، كما أن الرجل إذا دخل في أول حد الدهاء قيل له شيطان فإذا عتا في الطغيان قيل له مارد فإذا زاد على ذلك قيل له عبقري فإذا جمع إلى خبثه شدة شر قيل له عفريت. وأفضل مواهب المولى جل جلاله العقل ولقد أحسن القائل : وأفضل قسم الله للمرء عقـله فليس من الخيرات شيء يقاربه إذا أكمل الرحمن للمرء عقله  فقـد كملت أخـلاقه ومـأربه والعقل نوعان : مطبوع ومسموع، فالمطبوع منهما كالأرض والمسموع كالبذر والماء، ولا سبيل للعقل المطبوع أن يخلص له عمل محصول دون أن يرد عليه العقل المسموع فينبه من رقدته ويطلقه من مكامنه، يستخرج البذر والماء ما في قعر الأرض من كثرة الري، وقد قال عطاء بن رباح أفضل ما أعطي العبد العقل عن الله، فالواجب على العاقل أن يكون بما أحيا الله عقله من الحكمة أكثر حباً منه لما أحيا من جسده من القوت لأن قوت الأجساد المطاعم وقوت العقل الحكم، فكما أن الأجساد تموت عند فقد الطعام والشراب فكذلك العقول تموت إذا فقدت قوتها من الحكمة. وأعلم أن الأسفار والتقلب في الأمصار والاعتبار بخلق الله مما يزيد المرء عقلاً والعقل دواء القلوب ومطية المجتهدين وبذر حراثة الآخرة وتاج المؤمن في الدنيا وعدته في النوائب، ومن عدم العقل لم يزده السلطان عزاً ولا المال رفعة وقدراً أرأيت الذين أخبر الله عز وجل أنهم (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) الملك : 10 هم أنفسهم يقولون (ما أغنى عني ماليه (*) هلك عني سلطانيه) الحاقة 28-29 فلا عقل لمن أغفله عن أخراه ما يجد من لذة دنياه، فكما أن أشد الزمانة الجهل، كذلك أشد الفاقه والفقر عدم العقل، والعاقل يحسم الداء قبل أن يبتلي به ويدفع الأمر قبل أن يقع فيه فإذا وقع فيه رضي وصبر وعقول كل قوم على قدر زمانهم فالعاقل يختار من العمر أحسنه وأن قل فإنه خير من الحياة النكده وأن طالت، والعقل غير المنتفع به كالأرض الطيبة الخراب لأن العقل لا ينفع إلا إذا استعمل، كما لا تنفع الأعوان إلا عند الحاجة والفرصة، ومن لم يكن عقله أغلب خصال الخير خيف عليه أن يكون حتفه في أقرب الأشياء. وقال العلماء: كفى بالعاقل فضلاً وأن عدم المال، بأن تصرف مساوئ أعماله إلى المحاسن عتجعل البلادة منه حلما والمكر عقلا والهذر بلاغة والحدة ذكاء والعي صمتاً، والعقوبة تأديباً، والجرأة عزماً، والجبن تأنياً، والإسراف جوداً، والإمساك تقديراً، ناصحاً للأقران مواتياً للإخوان، لا يتحرش بالأشرار، ولا يبخل في الغنى ولا يشره في الفاقة، ولا ينقاد للهوى ولا يجمع في الغضب ولا يتكلف ما لا يجد، ولا يكتنز إذا وجد، ولا يدخل في دعوى ولا يشارك في مراء ولا يمدح أحداً إلا بما فيه، لأن من مدح رجلاً بما ليس فيه فقد بالغ في هجائه، ومن قبل المدح بما لم يفعله فقد استهدف للسخرية، والعاقل يكرم على غير مال كالأسد يهاب وأن كان رابطاً وأن من العقل التثبت في كل عمل قبل الدخول فيه. وأعلم أخي أن أول خصال الخير للإنسان في الدنيا ان يهبه الله عز وجل عقلاً وهو أفضل ما وهب لعباده، فلا يجب أن يدنس نعمة الله بمجالسة من هو بضدها قائم وإنما عليه أن يعلم ما فرض الله عليه من كتاب الله عز وجل فهو أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله وفريضة كتاب الله عز وجل هي: العمل بحكمه من الأمر والنهي والخوف والرجاء لوعده ووعيده والإيمان بمتشابهه والاعتبار بقصصه وأمثاله لأن هذا القرآن ما أنزل إلا لذلك لأنه (إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم ..) الإسراء : 9 يهدي به الله من أتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه. وإنما يعرف ذلك ويميزه ويرغب فيه من رزقه الله عقلاً يعقل فيه عن الله وهم الذين آمنوا وعملوا بأحكام الشرع الحنيف، وتنزهوا عن الشبهات لأن الحلال بين والحرام بين وبين هذا وذلك أمور متشابهات فأهل العقل والعقل يعرفون الحلال فيعلمون به ويعرفون الحرام فيجتنبوه (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) آل عمران 7 لأن العاقل يتنزه قدر طاقته عن المتشابهات لأن تركها خير من أخذها أذان ذلك أصون للدين وأكمل للمروءة " فمن أتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : أرض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس وأجتنب ما حرم الله عليك تكن من أورع الناس وأد ما افترض الله عليك تكن من أعبد الناس. ومن أجل أن يحافظ العاقل على عقله وتنمية مداركه والصاحب ساحب وإياك وجليس السوء فإنه كصاحب الكير أما أن يحرق ثيابك أو أن تجد منه ريحاً خبيثة وعليك بمجالسة أهل الصلاح والفلاح من العقلاء فإنهم لواقح الأفكار وهم كحامل المسك إما أن يعطيك أو أن تجد منه الريح الطيب قال الإمام الحسن البصري: الدنيا ظلمة إلا من مجالس العلماء. وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي جلسائنا خير؟ فقال عليه الصلاة والسلام: من ذكركم بالله رؤيته وزادكم في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله وما اقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا جعل الله قلوب المؤمنين تنقاد إليه بالرحمة والمودة وكل عقل لا يصحبه ثلاثة أشياء فهو عقل مكار مخادع يزين لصاحبه الشر خيرا. ومن صفات العقل الصادق: أولاً: إيثار الطاعة على المعصية. ثانياً: إيثار العلم على الجهل. ثالثاً:إيثار الدين على الدنيا. فإن أفضل ما أعطي العباد في هذه الحياة الدنيا العقل وأفضل ما أعطوا في الدار الآخرة رضوان الله عز وجل. فاجعل أخي عقلك دليل إلى الدار الآخرة وأرضى عن ربك ليرضى عنك وأرضي ربك ليرضى عنك (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) البينة -8  وأخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين