12 سبتمبر 2025

تسجيل

كان هذا وما زال عيد المتنبي

16 يونيو 2024

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ.. بما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ؟! لعل قول المتنبي الذي غدا مقولة تُعاد وتُكرر كل عيد يُقبل علينا كعرب ومسلمين نستحضر فيه مناسبته التي تعود لنا وقضايانا العربية لا تزال تشتعل على صفيح ساخن كما يقولون فما بالكم أن يأتي هذا العيد مثل سابقه عيد الفطر وقطاع غزة يتعرض إلى أسوأ إبادة جماعية وأشدها إجراما عرفها التاريخ وفي اللحظة التي يتبادل فيها المسلمون التهاني والتبريكات ويقدمون أضحيتهم وولائمهم وسهراتهم وعزائمهم، يقوم الإسرائيليون بفض ملاجئ الفلسطينيين في رفح ويقوضوا أمن المستشفيات والبيوت وقتل من فيها صغيرا كان أم كبيرا ؟! وأنا هنا لا أريد أن أُقوّض عليكم فرحتكم بهذا العيد الذي يُعد فرحة للحجاج الذين كانوا في عرفة بالأمس يبتهلون لله عز وجل بأن يقبل حجتهم وأمانيهم وأن ينصر المستضعفين المسلمين في كل مكان ويثبت أقدام أهل غزة ويتقبل أمواتهم شهداء عنده في عليين بجانب الأنبياء والصديقين بينما كنا نحن صياما نشاركهم الدعوات نفسها لا سيما لأهل غزة وسوريا والسودان وليبيا ومصر ولبنان واليمن والصومال وكل من كان في ضائقة لا يشعر بها جاره بينما يحترق هو بنيرانها ولهيبها وحده. بالأمس صحوت من نومي المتضعضع الذي أمسيت فيه على أخبار غزة واستيقظت منه على هذه الأخبار التي يضيق منها الصدر خصوصا واننا اليوم نحاول أن نستشعر فيه تلك الفرحة التي كانت تتخلل أفئدتنا وقلوبنا ونحن صغار وأنا أدعو الله أن يخفف على أهلنا هناك مصابهم وأن يكون جزاء صبرهم وقبولهم بقدر الله أعظم مما يتصورون ويتمنون وأن ينقلب حزنهم فرحة وبؤسهم سعادة ونيران عدوهم بردا وسلاما فأنا شخصيا قد تأثرت كثيرا بالمشاهد الأولية التي فُجعنا بها بعد السابع من أكتوبر الماضي وباتت الصور والمشاهد هذه عالقة في مخيلتي لا تفارقها ولذا يصعب علي أن أتجاهل المزيد من هذه المشاهد التي تتكرر في غزة وأن أراوغ نفسي في تجنبها كما فعل كثيرون غيري ممن لم تقوَ همته ويشتد عزمه على استمرار متابعة مثل هذه الصور التي كان أبطالها أطفالا ورُضّعا حتى إنهم كانوا أجنة لم يُقطع حبل مشيمتهم من أرحام أمهاتهم فكيف بالله عليكم نستطيع أن نتناسى كل هذا ونعزي أنفسنا وننصح من حولنا بأن تتجنبوا متابعة هذه المشاهد وشيئا فشيئا تسقط غزة من الذاكرة والفؤاد والضمائر التي يمكن أن تتصل بغائب منا وفينا ؟! ومع هذا يجب أن نستشعر فرحة هذا العيد فينا شئنا أم أبينا ورضينا بهذا أو رفضنا لأننا لا نملك شيئا من تغيير كل ما يحزننا إزائه أو هكذا أقنعنا أنفسنا بذلك كشعوب عربية لا تملك حق قرار التصرف بشكل أكبر ولكننا نسينا بأننا نملك الموقف حين تعجز الحكومات العربية عن اتخاذ واحد منه ونملك الدعاء الذي يغير من سير القضاء حين تجهل حكوماتنا العربية شروطه ونمتلك سلاح المقاطعة التي تجاوزنا الغرب في اتخاذها سلاحا حينما تأرجحت مواقفنا ما بين وبين ونمتلك التعبير والكلمة التي مادت بنا الكلمات فما عادت تمثل لنا الكلمة شيئا وفقدنا الإيمان الحقيقي بأن لله وعد فيما وعد وقال في كتابه الكريم لهذا لا تقللوا من موقفنا كشعوب باتت تشبه حكوماتها في تراخيها حينما فقدنا الشعور بكل ما يجري في غزة وغيرها من بقاعنا العربية المنكوبة ولكن أبقوا على الشعور حاضرا ومستحضرا لكل موقف يمثل الفاصل بين الذين وقفوا عاجزين وبين من استوقفوا أنفسهم ليصبحوا عاجزين فإننا في وقت سيُذكر فيها الجميع بما كان منه ولا تنسوا إن المتنبي الذي تركنا منذ آلاف السنين وقال بيته المشهور: عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ.. كان يمكن أن يكمله: بما هو في غزة أو رفح تحديد ؟!ولكنه مات وعاد في عيدنا هذا !