11 سبتمبر 2025
تسجيلبدأ محمد بن سعود آل مقرن (آل سعود لاحقاً)، منذ 1727، بتوسيع رقعة إمارته (إمارة الدرعية) ولم يجد أفضل من استخدام الدين كمطية لتحقيق غاياته. واعتبر أن جميع أهل نجد (ما عداه هو وجماعته) من المشركين كمشركي الجاهلية، فقام بشن سلسلة من «الغزوات» على القرى المحيطة بالدرعية وكان يسمي هؤلاء العرب المسلمين «بالغنائم». وكان مبدأه «اقتل تغنم». ولهذا خسر العديد من المسلمين أرواحهم نتيجة هذه الغزوات، لدرجة لم يسلم منها حتى الأطفال في بطون أمهاتهم، وصادر فيها أموال ومتاع خصومه من العرب المسلمين بشبه الجزيرة. ووصلت الغزوات، في عهد ابنه عبدالعزيز، إلى كربلاء التي عانى أهلها مجازر كبيرة على يد آل سعود وجنوده. وبما أن إمارته قامت (كما يزعم) على أسس دينية فإنه لا يكتمل بناؤها إلا بالاستيلاء على مكة والمدينة المنورة. ولذلك توجه عبدالعزيز من كربلاء إلى الطائف وقاتلوا أهلها ثلاثة أيام حتى دخلوها عنوة، وقتلوا الرجال وأسروا النساء والأطفال. وعندما توجه عبدالعزيز إلى مكة أعطى إنذاراً للحجاج الشوام والمصريين والمغاربة وغيرهم بالخروج في غضون ثلاثة أيام. وبعد أن استولى عليها أمر بهدم القبب. وبعد مقتل عبدالعزيز بيد أحد الشيعة انتقاماً لما قام به من مجازر في كربلاء استلم ابنه سعود زمام الأمور. قام سعود، في 1806، بإعادة الاستيلاء على مكة، ومن ثم توجه نحو المدينة، التي قاوم أهلها جيوش آل سعود لمدة 25 يوماً ولكنه في الأخير دخلها، وسمى أهل المدينة «بالناكثين»، واستباح دمهم، وقتل منهم عدداً لم يتم حصره، وهدم عددًا كبيرًا من الأضرحة. وفي خروجه مر بالبقيع وأمر بتهديم كل قبة كانت فيه. لم يعجب العثمانيين اضطراب موسم الحج فبدأت، في أواخر 1811، بإعداد قوات مصرية لطرد آل سعود من الحجاز، ولتدمير مركزهم في الدرعية. استطاع إبراهيم باشا، في 1813، تحرير الحجاز من آل سعود، وفي هذا قام عدد كبير من العلماء أمثال مفتي مكة ومفتي المدينة وخطيبي المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف، وعلماء الإسلام من جميع المذاهب في مكة والمدينة، بمكاتبة محمد علي والي مصر يشكرونه على تحرير أرض الحجاز، قالوا فيها «بأنه قد وفدت إليهم عساكركم المنصورة بألوية التأييد الإلهية، فأنقذتهم من أيدي أولئك «الشروق» الخوارج المعتدين الطغاة البغاة الملحدين (يقصدون آل سعود وقبائل نجد)، الذين سعوا في جزيرة العرب بالفساد، وزيفوا عقائدهم بالحلول والإلحاد، واستحلوا دماء أهل الإسلام، وصدوا كل وافد إلى بيت الله الحرام. فشكر الله صنيعكم على هذه النعمة العظيمة، والهمة العالية الكريمة، وجزاكم بأفضل الجزاء في الدنيا والآخرة». وفي 1818 استكمل إبراهيم باشا مهمته بالقضاء على إمارة آل سعود بالدرعية، وتم أسر عبد الله بن سعود بن عبد العزيز آخر حكامهم، وتم إرساله إلى إسطنبول، وأنزلت فيه عقوبة الإعدام الفورية. استطاع أحد أفراد آل سعود وهو مشاري بن سعود، في مايو 1818، الهرب من السجن المصري، والعودة إلى الدرعية، وعمل على إعادة إحياء دولة آل سعود (الدولة السعودية الثانية)، بل وتمكن من التوسع في مناطق نجد الأخرى. ولكن الصراعات والحروب الداخلية بين فروع آل سعود تسببت، في 1891، بسقوط دولتهم على يد آل رشيد، حكام إمارة جبل شمر. أما الطامة الكبرى التي عصفت بالتغيير في مكة والمدينة فقد حدثت أبان الدولة السعودية الثالثة والتي أسسها عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. ففي نهاية أكتوبر 1923 دخل ابن سعود وجيشه إلى مكة، ومع أن دخولهم إلى مكة لم يواجه بأي مقاومة من أهلها، إلا أن ابن سعود سمح «للإخوان» (إخوان من طاع الله) بنهب دور «المشركين» (هكذا سمى أهل مكة) لمدة ثلاثة أيام، تم تمديدها لخمسة أيام. وبعد أن استتب الأمر لهم في مكة توجهوا إلى جدة وحاصروها. وفي 1925، استسلمت مدينة جدة مع الخروج الآمن للهاشميين، والأمان لأهلها. تحركت بعد ذلك جيوش ابن سعود شمالاً إلى المدينة المنورة وعند وصولهم قاموا بالإغارة على أحد معسكرات الهاشميين، وقتلوا منهم 200 رجل، وأخذوا كل ما طالت أيديهم من طعام وذخيرة. بعدها قام الدويش، قائد تلك الجيوش، بحصار المدينة المنورة التي وافقت على الاستسلام بشرط حضور ابن سعود، أو أحد أبنائه. وحضر محمد بن عبدالعزيز (تم تعيينه أميراً على المدينة بعمر 15 سنة)، وتسلم مفاتيح المدينة. ودخل على إثرها «الإخوان» المدينة وعاثوا فيها نهباً وسلباً وحطموا كل القباب، والشواهد على القبور، وحاولوا نبش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه رضي الله عنهما، ولكن خوفاً من الفتنة تركوها قائمة، ونجد أحد السائلين يسأل ابن باز «القبة على قبره صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي لِمَ لا تزال؟» فأجاب عليه ابن باز بقوله «تركها آل سعود خشية الفتنة». أما أحد أعضاء كبار هيئة العلماء بالسعودية فقد كتب «يجب على ولاة المسلمين إزالة القبة والزخارف والنقوشِ التي في المساجد، وعلى رأسها المسجد النبوي، ما لم يترتب على ذلك فتنة أكبر منه، فإن ترتب عليه فتنة أكبر، فلولي الأمرِ التريث مع العزمِ على استغلال الفرصة متى سنحت». وهذا يعني أن نية نبش قبر رسولنا الكريم لا تزال موجودة عند آل سعود متى ما سنحت لهم الفرصة. ومنذ قيام الدولة السعودية الثالثة وحتى يومنا الحاضر وآل سعود يهدمون كل ما له صلة بالإسلام أو بالرسول صلى الله عليه وسلم أو بأصحابه. لقد شهدت مكة والمدينة، منذ استلام الملك فهد بن عبدالعزيز الحكم (من 1982 حتى 2005)، تغييراً كبيراً بحجة أعمال التوسعة على الحجاج وكان من بين ما هدم 1. القبة التاريخية التي كانت تميز بيت النبي، ومن ثم تحويل مكان البيت لسوق للماشية وفي الأخير تم بناء مكانه مكتبة عامة ممنوع الدخول إليها. 2. هدم بيت السيدة خديجة، أم المؤمنين، واستبداله بمراحيض نسائية عامة. 3. هدم بيت أبي بكر الصديق في سبيل إقامة فندق هيلتون. 4. هدم آخر ما تبقى من الرواق العثماني. 5. هدم قلعة أجياد التي أزيلت في عام 2002 ومسح معها أكثر من 400 موقع أثري وبني مكانها مشروع أبراج البيت وفندق فيرمونت العملاق وبرج الساعة كوقف للملك عبدالعزيز. إلى جانب الآلاف من بيوت آل البيت والصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين. ويدعم هذا التوجه في القضاء على جميع الآثار الإسلامية فتاوى جاهزة صاغها كبار مفتي الملك السعودي وعلماؤه بقولهم «إن ما هدم من آثار في الحرمين الشريفين لا مانع منه، بل إنه من الضرورة». واستناداً لهذه الفتوى، وحسب ما أورده معهد شؤون الخليج في واشنطن، «فإن 95 % من مباني مكة القديمة هدمت في العقدين الماضيين برعاية شيوخ السلطان». وفي الختام نقول إن مكة والمدينة تم تجريدهما من قداستهما الدينية وتحولتا إلى مدن سياحية ضخمة تحوطهما الفنادق الفاخرة وناطحات السحاب الشاهقة. إن تلك الآثار ليست ملكا لآل سعود المحتلين أرض الحجاز، وليست ملكاً لمفتي السعودية لإصدار فتاوي الهدم، بل هي تخص جميع المسلمين. إن تلك الآثار تعتبر موروثاً ثقافياً وجزءاً من الهوية الإسلامية، وإن هدم تلك الآثار هو هدم للتاريخ الإسلامي، وهدم كل القيم الروحية المصاحبة لتلك الأماكن المقدسة. وعلى العكس من ذلك نجد آل سعود يحافظون على آثار الدرعية وتطويرها مع أنه لا يوجد فيها إلا قلاع وقصور آل سعود. إنه ليحزننا أنه لم يتبق من المواقع بالمدينة سوى قبة قبر الرسول عليه السلام وصاحبيه. أما في مكة فلم يتبق سوى البيت العتيق. ومن المعتقد أنه إذا سنحت الفرصة لآل سعود فإنهم سوف يقومون على إزالتهما فهل هناك من منقذ لهما؟ ونختم مقالة اليوم بحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما أجبر على الخروج من مكة فقال «وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلي وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت» وأضيف على قول رسولنا الكريم «ولولا أن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود منعني ومنع أهل قطر عنك لما امتنعنا من زيارتك». والله من وراء القصد،، [email protected]