20 سبتمبر 2025

تسجيل

عمران خان والعسكر واللعب على المكشوف

16 مايو 2023

ما باح به زعيم حزب الانصاف الباكستاني عمران خان أخيراً لم يتجرأ أي سياسي باكستاني على مدى تاريخ باكستان الممتد إلى عام 1947 على البوح به، يوم اتهم الجيش الباكستاني وقائده الجنرال عاصم منير باعتقاله، ورأى خان أن منير يحمل أحقاداً شخصية ضده، كما ذكر في مقابلته المهمة وربما التاريخية، لصحيفة الغارديان البريطانية. وذهب خان في المقابلة أبعد من ذلك حين اتهم الجيش والاستخبارات العسكرية التابعة للمؤسسة العسكرية، بأنهما يمارسان الضغوط والنفوذ على القضاء الباكستاني، ويستخدمون الإعلام، ويختطفون المعارضين، وعلق على ذلك بقوله: حين يكون أحدٌ فوق القانون، فهذا يعني غياب المحاسبة، وبالتالي غياب الديمقراطية، وعلل خان تصرفات وسلوكيات المؤسسة العسكرية هذه بقوله: لأنهم يعرفون أنني سأكتسح الانتخابات المقبلة، ولذلك يقومون بالتعرض لي وحرماني من خوضها. من الجدير به التذكير أن عمران خان حين وصل إلى السلطة في انتخابات عام 2018 كان الكل يتحدث عن تنسيق وترتيب بينه وبين المؤسسة العسكرية، والتي كانت تريد إيصاله إلى السلطة، في قراءة قيل إنها من أجل التجديد في دماء شرايين السياسة الباكستانية بعد أن طبعت المرحلة الماضية لعبة الكراسي الموسيقية التي عادة ما يتناوب عليها إما حزب الشعب الباكستاني بزعامة آل بوتو، أو حزب الرابطة الإسلامية بزعامة آل شريف. وسارت العلاقات بين الطرفين، العسكر وعمران خان على التمام حتى كان نيسان الماضي حين سبقها توتر في العلاقات بين الطرفين أفضت إلى عزل عمران خان من الحكم، عبر البرلمان الباكستاني، لتتوتر الأمور أكثر بعد تعرضه لمحاولة اغتيال وتحميله الجيش المسؤولية عن ذلك كله. اعتقال خان الأخير عكس مدى الاحتقان السياسي وحتى الاحتقان الاجتماعي الباكستاني، فصبّ خان وأتباعه ومحازبوه جام غضبهم على المؤسسة العسكرية، وهاجموا مقراتها، وهو ما كان في عالم المستحيل قبل أيام فقط، ولكن خطابات عمران خان وتصعيده اللهجة ضد الجيش وقائده دفعت بالأتباع إلى استهدف مقرات المؤسسة العسكرية، وهي المؤسسة التي عاشت لعقود على احترام الشعب الباكستاني بكافة أطيافه وألوانه، وعاشت معه على السمعة ونظرية أنها حامية التضامن الوطني، فقد كانت لأيام قريبة محل إجماع وطني لا يمكن المساس بها، ولكن يبدو أن جيل Z لم يعد هو نفسه الجيل السابق والدليل هو أن أكثر من 65% من الناخبين الباكستانيين ينتمون إلى شريحة الشباب، وهذه الشريحة من الواضح أنها تميل إلى عمران خان، وحزبه ونظريته في التغيير وهو ما ثبت في تحليل الانتخابات الماضية، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات المقبلة سيكون نصيب أصوات هذا الجيل من صالح عمران خان وحزبه بأكثر وتيرة مما كانت في انتخابات 2018. يواجه اليوم عمران خان مائة قضية في المحاكم الباكستانية وعلى رأس هذه القضايا ما بات يُعرف بقضية «توشوكانا» وهي عبارة عن تلقي هدايا ثمينة، قام ببيعها، وقدرت قيمتها بحسب الغارديان البريطانية ببلايين الدولارات، وهو أمر يخالف القانون، إذ إن هذه الهدايا ليست للحاكم وإنما ملك للدولة، ولكن خان خالف القانون الباكستاني الذي ينص على ذلك، ومع هذا سلكت المحكمة العليا على ما يبدو منهج روح القانون، وليس القانون ذاته، حين أمرت بالإفراج عن خان، أملاً في تهدئة الشارع، وطلبت منه مناشدة محازبيه التهدئة وعدم اللجوء للعنف، بعد أن رأت إمكانية انفجار الموقف، وإرسال شظاياه في اتجاهات كبيرة وخطيرة. لا شك أن باكستان على مفترق طرق حقيقي، ولم يسبق للبلد أن تعرضت لمثل هذا الانقسام بهذا الشكل، باستثناء حالة الانقسام التي حصلت بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية عام 1971، ولكن الواقع اليوم يشير إلى مخاطر أكثر جدية وحقيقية، تستوجب تحرك العقلاء، من أجل احتواء أزمتها، وعدم النفخ فيها، ولعل الانتخابات القادمة ستكون مخرجاً من عنق الزجاجة، والتي لا تزال الحكومة لم تعلن عنها رغم مرور أكثر من عام على الإطاحة بعمران خان.