11 سبتمبر 2025
تسجيلكم مرة عزيزي القارئ تم شد انتباهك وتركيزك بمجرد سماعك لإحدى هاتين الكلمتين "سمعت ويقولون"، وبلا شك أن فيهما نوعاً من السحر يدغدغ المسامع فيجعل الواحد يترك كل ما يشغله وينصت بشغف لسماع الأمر الجلل أو المعلومة الخطيرة أو السر الأكبر الذي ستعلم تفاصيله بعد ثوان قليلة من فيه المتحدث، وعديدة هي المرات التي ما أن تتعافى من صدمة المعلومة أو الحقيقة التي سمعتها "أو كما تم إقناعك بأنها حقيقة"، حتى تصدم مرة أخرى بتحديث للخبر السابق ينفي تفصيلة صغيرة من التفاصيل، ويؤكد أو يضيف تفصيلة جديدة، ويستمر الأمر على هذا الحال والمنوال، وانت في الأصل لا تدري إذا كان ما قيل أو يقال حقيقة أم مجرد كذبة أو شائعة. وللأسف انتشرت في مجتمعنا آفة الشائعات، والتي أراها أخطر وأفتك من جائحة كورونا بسلالتها الهندية المتحورة، آفة أراها دخيلة أو لنقل إنها لم تكن بهذا الحجم من الانتشار في مجتمعنا القطري المسلم المحافظ. فمع التوسع في استخدام وسائل الاتصال أو التواصل الاجتماعي في عصرنا الحالي، بات انتشار مثل هذه الأخبار غير الدقيقة أو الكاذبة ولنقل الشائعات أسرع من انتشار النار في الهشيم، وذلك ليسر وصولها للجميع كبيراً كان أم يافعاً، وكذلك لصعوبة التحكم فيها أو منعها أو حجبها. ولن أتعرض في مقالي هذا إلى التنبيه لمخاطر الشائعات وآثارها السلبية على المجتمعات والأوطان، فباعتقادي أن الجميع على دراية ومعرفة بهذه الأمور ولا احتاج إلى التبيان والتفصيل فالمعروف لا يعرف. ولكن سوف أنقاش بشيء من الإيجاز لماذا يجب علينا العمل على الحد من مخاطرها أو في أقل تقدير التقليل من آثارها السلبية على الفرد والمجتمع والدولة، ودعونا نتفق أولاً على أن هناك مسؤولية مشتركة بين المجتمع ومؤسساته لمواجهة هذه الآفة الخطيرة، ولا يمكن بحال من الأحوال التصدي والمواجهة دون التعاضد والتعاون والعمل سويا، فليس من المنطق أن يقوم أفراد المجتمع وحدهم بالمواجهة دون أن تلعب مؤسساته دوراً محورياً مهماً، وفي المقابل لا يمكن أن تقوم المؤسسات بهذا الدور وحدها دون تعاون أفراد المجتمع معها، فهم في الأصل الفئة المستهدفة، وإنما يأتي دمار الدول وتحطيم كياناتها من خلال تفكيك مجتمعاتها من الداخل وخلق الفرقة، وتشتيت وحدة الصف وزرع بذور الشك والخلاف بين مختلف طوائفه وفئاته. ويعتبر وعي أفراد المجتمع لأهمية دورهم ومسؤولياتهم هو الخط الدفاعي الأول ضد هذه الآفة، فهناك مسؤولية تقع على عاتق كل منا يحثنا عليها ديننا الحنيف في المقام الأول، فيقول سبحانه وتعالى في سورة الإسراء "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" (36)، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع (رواه مسلم)، ويقول الشيخ العثيمين مبيناً معنى هذا الحديث: يعني أن الإنسان إذا صار يحدث بكل ما سمع من غير تثبت وتأن، فإنه يكون عرضة للكذب، وهذا هو الواقع، ولهذا يجيء إليك بعض الناس يقولون: صار كذا وكذا، ثم إذا بحثت وجدت أنه لم يكن، أو يأتي إليك ويقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا بحثت وجدته لم يقل. ومن جهة أخرى فإن التشريعات والقوانين تجرم وتعاقب تداول الشائعات التي من شأنها الإضرار بأمن الوطن وأمان مواطنيه، سواء كان تناقلها بحسن أو سوء نية، ففي المادة 136 من القانون رقم 2 لسنة 2020، توقع عقوبة قد تصل إلى 5 سنوات على كل من أذاع أو نشر أو أعاد نشر شائعات أو بيانات أو أخبار كاذبة أو مغرضة أو دعاية مثيرة، في الداخل أو في الخارج، متى كان ذلك بقصد الإضرار بالمصالح الوطنية أو إثارة الرأي العام أو المساس بالنظام الاجتماعي أو النظام العام للدولة. وختاماً أقول: إن مجتمعنا ووطننا أمانة في أيدينا، وإن الحيطة والحذر والتحقق مما يتداول ويتناقل مما يصلنا من أخبار أمر يفرضه علينا شرعنا الحنيف قبل قوانيننا وتشريعاتنا. @drAliAlnaimi