19 سبتمبر 2025
تسجيللم تكن هناك مدرسة ثانوية في قطر سوى مدرسة الدوحة الثانوية في «رأس بوعبود» على أيامنا مقابل فندق الخليج سابقا «الماريوت» الآن، وأذكر أنه كان بقيد الإنشاء حين التحقنا بها في عام 71م. كان المشوار طويلا، لكنه كان سريعا، من الريان حتى رأس بوعبود، كنا نصل في الوقت المناسب وإلا تقفل المدرسة أبوابها. وضابط المدرسة أيامها محمد أبو دياب بعصاه الطويلة، وبقامته الممدودة، يتجول في ساحة المدرسة، يبحث عن متأخر أو متسلق ليدخل بعد قرع الجرس. طلاب ثانوية الدوحة في حينه يختلفون عن طلبة قطر الإعدادية، لأن الوصول إلى الثانوية كان مصفاة يمر من خلالها المواظب والمجتهد، لذلك لمست تغيرا في النوعية. كثيرون تركناهم خلفنا في قطر الإعدادية، بعضهم جذبتهم حياة العسكرية الناشئة للتو، وآخرون تسربوا إلى الأقسام المهنية، كمركز التدريب المهني في غزة سابقا، «مدينة خليفة « لاحقا. في الفسحة بين الدروس كانت هناك «صندقة» خارج بناء المدرسة نذهب إليها للتغذية، كما كان هناك «مقصف» داخل المدرسة للغرض نفسه. مرات عديدة ذهبت مع بعض الأصدقاء إلى بيوتهم في فريج الخليفات، مكان فندق «شرق» حاليا، فريج كبير يضم عوائل كريمة من الخليفات والسلطة، والهتمي وغيرهم من أهل قطر حيث الكرم والجود كنا نسميهم «هل شرق». مازلت أذكر ملعب نادي التحرير «مسجد أبو بكر الصديق» الآن. لم يكن الاتصال بين أهل المناطق سهلاً كما هو الآن، وكان ما يجمعنا إضافة إلى الدراسة، حيث لم تكن بعد في الضواحي سوى مدارس ابتدائية، هي الرياضة، وبالأخص نوادي كرة القدم التي كانت تحظى بشعبية جارفة بين الطلبة، حيث كان تأثير الأندية القطرية واللاعبين القطريين على أشده على عقلية ذلك النشء. وأذكر كذلك زيارة محمد علي كلاي لقطر، والتي أحدثت دويا كبيرا داخل المجتمع في تلك الأيام. نادي التحرير هو معقل «هل شرق»، كنا نرى المسافة بعيدة بين الريان ومتحف قطر الآن، «هل شرق» أهل بحر قريبون منه، تشعر بذلك من خلال شخصياتهم المنفتحة ذات الروح المتفائلة. مدرسة الدوحة الثانوية التي كانت في رأس بوعبود كانت تجمع «كوكتيلاً» من شباب قطر، كما كانت أيضاً مدرسة قطر الإعدادية قبلها. حزنت عندما أزيلت المدرسة؛ فقد كانت تمثل لجيلي ذكرى مجتمع متفائل وطموح. شاء القدر أن ننتقل إلى مدرسة الاستقلال التي بُنيت حديثا لاستكمال الدراسة فيها، حيث كانت أقرب لمنطقتنا. لم أفرح كثيرا لأنني سأترك بعضا من رفقة طيبة جمعتنا بهم مدرسة الدوحة الثانوية، ومما زاد الأمر كآبة توافق ذلك مع غرق زورق «الريان» في شتاء عام72 في مياه الخليج الباردة، وغرق ثلة كبيرة من أهل الريان كانوا في طريقهم إلى بر فارس في رحلة للقنص. ولا تزال نكهة منطقة شرق في ذائقتي وأنا أمر عليها، بعد أن أصبحت مجموعة فنادق وشاليهات، لا تزال هي، إلا أن روحها تغيرت بعد أن غاب إنسان «شرق» أو توزع حيث غابت روح الفريج وطغت عليها مادية المجمعات السكنية التي تحتضن الجدار الفاصل بين الإنسان وأثره. [email protected]