14 سبتمبر 2025

تسجيل

كيف الوصول إلى سلام حقيقي؟

16 مايو 2018

هناك عدة صناديق سياسية يضحي بعض المناضلين بأرواحهم من أجلها بكل طيبة نفس وتدافع عنها معظم دول العالم بكل حسن نية باعتبارها مقدسات سياسية لا داعي لفحصها من الداخل، فالأهم هو وجود الصندوق وشكله الخارجي والأكثر أهمية هو التفكير من خارج الصندوق وليس التفكير من داخل الصندوق! في اعتقادي أن هذا السلوك يشكل غفلة أمنية عالمية كبرى كانت وما زالت تسبب الكثير من المشاكل والحروب والمواجهات وتُسِقط الكثير من الضحايا في كل يوم في مختلف بقاع العالم!  صندوق حرية الرأي، الذي يشمل حرية الاعتقاد، حرية التفكير وحرية التعبير، هو صندوق مفخخ، ففكرة الحرية هي فكرة جذابة من الخارج لكن قد يختبئ في داخلها استبداد مدمر، فيمكن لطائفة سياسية أن تحتمي بفكرة الحرية وتدعو للإبادة الجماعية لطائفة أخرى، فمثلاً نجد أن عدة دول أوربية قد كفلت حرية الرأي للمعارضين المتطرفين دينياً القادمين من الشرق الأوسط باعتبارهم مناضلين من أجل الحرية تم اضطهادهم في بلادهم من قبل حكوماتهم الاستبدادية ولم تقم بمراقبتهم ومنع خطاباتهم التكفيرية الغاسلة لأدمغة أتباعهم فأخذ هؤلاء يقومون من وقتً لآخر بشن حروب شوارع على مواطني تلك الدول في عقر دارهم! صندوق الديمقراطية، صندوق مفخخ آخر، فغالباً ما تفرض الأغلبية الميكانيكية رأيها الاستبدادي وتقمع رأي الأقلية عبر وسائل الترهيب والترغيب، ويجب أن لا ينسى العالم أن فوز أحزاب قومية متطرفة بالانتخابات في ألمانيا وإيطاليا قد أدى إلى إشعال أكبر حربين عالميتين في التاريخ البشري وتسبب في قتل وجرح ملايين البشر وتخريب آلاف المدن والقرى وتدمير عدد لا حصر له من الممتلكات!   صندوق القومية، هو صندوق مفخخ آخر، فهو يبدو من الخارج كرمز جميل لحب الوطن، لكنه قد يكون مشحوناً من الداخل بكراهية عنصرية للمواطنين المنتمين لأجناس وديانات أخرى، مثال لذلك سلوكيات الجماعات القومية اليمينية المتطرفة في أوربا التي تعادي الإسلام وتسعى لطرد المسلمين من أوربا بقوة السلاح!  صندوق مكافحة الإرهاب، هو من أخطر الصناديق المفخخة على الإطلاق، فمكافحة الإرهاب تبدو كفكرة إنسانية براقة من الخارج، فلا يُوجد إنسان عاقل يؤيد القتل العشوائي للمدنيين لتحقيق أهداف سياسية عامة، لكن إذا توغلنا داخل صندوق مكافحة الإرهاب فسوف نكتشف أمثلة صادمة للضمير العالمي، فمثلاً تقوم بعض الدول الكبرى بدعم الحكومات الاستبدادية وتصفية الثورات الشعبية المطالبة بالخبز والحرية في بلدان العالم الثالث، بغرض تحقيق المصالح الخاصة للدول الكبرى كبيع السلاح أو الحصول على مواقع استراتيجية أو حقول نفطية، فليس هناك مساعدات مجانية في عالم السياسة! مثال آخر هو إسرائيل التي تدعي مكافحة الإرهاب الفلسطيني المزعوم وتستقوي بالفيتو الأمريكي ثم تمارس إرهاب الدولة على أوسع نطاق وتقوم بقتل عشرات الأطفال والشبان الفلسطينيين العزل في الحدود مع قطاع غزة خوفاً من اتساع نطاق المظاهرات الفلسطينية السلمية المؤيدة لحق العودة، علماً بأن حق العودة هو حق طبيعي مقرر لكل البشر ومكفول حتى لأسماك الحنكليس وطيور البطريق!  غني عن القول إنه يجب فحص جميع الصناديق السياسية من الداخل ومن الخارج في ذات الوقت؛ وذلك بغرض إرساء الأسس السليمة للممارسة الراشدة للحرية والديموقراطية والقومية ومكافحة الإرهاب، وعدم الاكتفاء بالشكل الخارجي للصندوق، فيجب في كل الأحوال إخضاع داخل وخارج الصندوق السياسي للمراقبة القانونية اللصيقة وإيقاع الجزاءات على المخالفين، فليس بالصندوق وحده يحيا الإنسان ولا يجوز أبداً أن تتحول حرية التفكير والتعبير إلى حرية التكفير والتفجير، ولا يعقل مطلقاً أن تتحول صناديق التصويت والانتخابات إلى صناديق للذخيرة والمتفجرات!