14 سبتمبر 2025

تسجيل

عواصم المقاومة السنية!

16 مايو 2014

شكلت تلك المدن وما تزال، ثلاثية عواصم الثورة والوعي والإدراك وشق طريق التحرر وتحمل أشد الخسائر البشرية ضراوة ووحشية، لفتح الطريق لزمن وعالم وأفق جديد. ثلاثتهم أكملوا صورة الوعي الحضاري والاستراتيجي الآن، ومن قبل مثلوا القدرة على صياغة نمط من الوعي الاستباقي، ببصيرة نافذة، وقت أن كانت طلائع الأمة تعيش في وادي الغيبوبة.الأولى قادت الوعي والثورة في زمن مبكر ضد الحاكم الطائفي، في وقت كان المثقفون غارقين في التغني بشعاراته التضليلية من قومية ومقاومة وممانعة، والثانية كانت عنوانا للصمود في مواجهة المحتل الغازي في وقت اضطربت فيه العقول وتشتتت فيه النفوس، فكانت عنوانا للحضارة والمقاومة وصناعة المستقبل، والثالثة كانت عنوان الصمود وكشف حقيقة الطائفية والتطهير العرقي الجارية ضد المسلمين السنة. ثلاثتهم شكلوا نقلة جماعية للوعي العام وصاروا في ملتقى واحد وفي معركة تحرير واحدة.كانت حماه هي السباقة. جاءت ثورتها ومقاومتها في زمن كان حافظ الأسد يعيش حالة غطرسة القوة والسطوة السياسية والإعلامية ضامنا الحماية من كل رد فعل دولي أو إقليمي .عاشت حماه ثورتها وقدمت عشرات الآلاف من الشهداء وخطت عنوانا لجرم الأسد وطائفيته. كانت حماه أشد وعيا من كل المثقفين العرب، إذ حددت المعركة الحقيقية في زمن مبكر، كان الكل غارقا فيه في دنيا الشعارات القومية والتحررية التي لم تنجز شيئا، فكشفت حماه أن "الدست" خال من كل شيء إلا الحصى والقنابل والمؤامرات على مستقبل الأمة . أظهرت طائفية حافظ الأسد فيما لم يكن أحد يتصور أن حافظ يقوم بمهمة حفظ السطوة الطائفية ولا شيء أكثر. وجاء دور الفلوجة، التي بدأت المقاومة في مواجهة الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق في عام 2003 . صارت عنوانا للمقاومة أو قل أصبحت علم العراق الخفاق في رفض الاحتلال ومواجهته وإحراز النصر. خاضت حربين ضد جيش الدولة العظمى الوحيدة في العالم - في تلك الأيام- ويال باس رجالها .انتصرت الفلوجة في الأولى وسقت قوات الاحتلال كأس هزيمة لا تصدق عقليا، إذ جاءت خارقه لكل قوانين الحروب وتوازنات القوى وقدرة التكنولوجيا.وجرى اقتحامها وتدميرها في الثانية، لكنها كانت قد وجهت الضربات الأقوى وأنجزت الأساس لهزيمة جيش الاحتلال الذي أجبر على الانسحاب تحت وقع هزيمته وانتهاء هيبته في الفلوجة. وهى الآن عادت لتستعيد دورها حين تغير نوع الاحتلال ودولته . فأصبحت قائدة حرب المقاومة في مواجهة احتلالين أمريكي وإيراني ومن معهما من صحوات عسكرية وسياسية في أوساط السنة.وحان وقت حمص عاصمة الثورة السورية .وقعت حمص في دفتر الاستشهاد،لتجسد ظاهرة عربية تجرى دوما، إذ تقاتل المدن والدول وحيدة بلا غطاء.حمص والفلوجة تقدمان بطولات خارقه الآن دون حديث عنهما كما جرى الحديث والشعر والغناء عن سايجون وليننجراد وغيرها من عناوين الصمود . حمص الآن لا تستسلم فقد وقعت في سجل لا يمحى ولا يقبل التراجع ويضع أساس يبنى عليه، وكذلك لم تستسلم الفلوجة بعد تدميرها في المعركة الثانية . وكما عادت الفلوجة ستعود حمص.تلك عواصم الثورة والوعي .فالثلاثة يخوضون معركة واحدة بدايتها هناك وجوهرها الحقيقي إذكاء روح الصمود والنصر في الأمة .لم تكن معارك حماه والفلوجة وحمص وغيرها من مدن الصمود إلا نوازل في معركة واحدة، وهذا هو سر الموقف الدولي والإقليمي منها .فكل منها لم يحارب أبداً من أجل قضية صغرى، وكل المدن العربية والإسلامية دوائر في سلسلة واحدة في المعركة الأصل هناك في المواجهة مع الغزوة الصهيونية الغربية من جهة وإيران وروسيا من جهة أخرى. وإذا كانت معركة الفلوجة الأولى والثانية واضحة المعالم فهي في مواجهة الجيش الحامي لمحتل فلسطين، فقد جاءت معركتها الثالثة لتكشف الخط العام الذي كشفته حماه وحمص من قبل ومن بعد.