16 سبتمبر 2025
تسجيلالحديث عن الوحدة العربية في هذا الزمن الرديء كالحديث عن المستحيل, يبدو القابض عليه كالقابض على الجمر ! لا مخرج لأمتنا من الوضع الرديء الحالي إلا بوحدة جماهيرها أولا , ومن ثم بناها الفوقية. هذا هو طريق الخروج من كل المآزق الراهنة التي تعصف بوطننا العربي. نعم لا تحرر عربيا دون القضاء على المشروع الصهيوني وتمثيله السياسي في الكيان. عندما حدد هرتزل للمؤتمر الصهيوني الأول: أن الدولة الصهيونية ستقوم بعد خمسين عاما , كان يبدو كمن يحلم !. عمل أعداؤنا على تحقيق الشعار, مستغلين الظروف العربية والإقليمية والدولية. حققوا طموحهم رغم بطلان أسسه. نحن نملك عدالة القضية والأهداف, لكن نضالاتنا تبدو كمن يحرث في البحر.المعادلة هي: باطل + عمل ..يُثمر هدفا , لكن الحق + التقصير ..يعني إخفاقا. الصهيونيون ليسوا سوبرمانيين , إنهم أقوياء ,على حساب ضعفنا وتفككنا. كل من احتكوا بهم , يؤكدون جبنهم ورُعبهم في المعارك!الوضع العربي الرديء الراهن أنتج: تأكيد الرفض الصهيوني المطلق لإقامة دولة فلسطينية . أعلنها نتنياهو صراحة: لن تقوم دولة فلسطينية في عهده. فوز نتنياهو والاتجاه الأكثر تطرفا في انتخابات الكيان الأخيرة , ليس جديدا ! نعم كان متوقعا , لكل من يدرك حقيقة الحركة الصهيونية وتمثيلها المسخ.رغم ذلك ما زال البعض منا يراهن على إمكانية عقد سلام مع هذه الدولة! الوضع العربي العام يزداد انحدارا.الخلاص من هذا الوضع يبدو ضمن الراهن : سذاجة وحُلما غير موضوعي!هل وصلنا إلى درجة اليأس؟هل افتقدنا الرؤية؟ كلا.. يظل الأمل وسيظل قائما..لا نقول ذلك جزافا,بل من دروس منطقتنا. مرّت الأمة العربية بظروف أصعب من هذه.. بأصالتها , تجاوزتها وانتصرت.نعم سنحلم والخطوة تبدأ بحلم, دعونا نحلم! نعم ,مطلق عربي في الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج، يدرك الحالة الرديئة التي يمر بها العالم العربي في هذه المرحلة التاريخية من حياة أمتنا، فمن التعرض للمؤامرة الصهيو-أمريكية لإنشاء الشرق الأوسط الجديد (الكبير) إلى الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين بكل أشكال العدوان على شعبنا وأمتنا, وبخاصة على غزة وآخرها عدوان عام 2014, والعدوان على سوريا و لبنان وأهداف عديدة في دول عربية ، والإمكانية الفعلية لإعادة إنتاج العدوان على الفلسطينيين والعالم العربي قائمة دوما وسط التهديدات الصهيونية المستديمة. بالطبع، فإن هذه الحالة العربية فرضت تحولاً في أنماط الصراع، من الشكل المفترض توجيهه ضد العدوان الخارجي وركيزته الإسرائيلية، إلى الشكل الداخلي، الذي يُمعن في المزيد من التمزيق في الجسد العربي، الذي أصبح مثخناً بالجراح. على صعيد النظام الرسمي العربي، فإن مهمته الأساسية تتمثل في هاجس الحفاظ على الذات، يتبين ذلك من عدم استجابته لحقائق العصر، والتي من أبرزها: أن هذه المرحلة هي عصر التجمعات الإقليمية على الصعيدين: الجيوسياسي، والآخر الاقتصادي، وذلك في محاولة التأثير في الحدث، ليس فقط دولياً، وإنما بالضرورة: من عدم استجابة النظام العربي نفسه لحقائق العصر: كَمَثَلْ مطالبته على سبيل المثال لا الحصر، بتحقيق الديموقراطية، وبناء الإنجازات للمتطلبات العولمية في مختلف المناحي في بلدانه. على الصعيد الشعبي العربي، والذي تأثر حكماً بالأحداث التي مرّت بها المنطقة، فإن من الواضح أنها ليست بالأحسن حالاً، إنْ من حيث الشرخ في العلاقة بين الشعوب العربية، والذي يتعمق يوماً بعد يوم، أو من حيث الأدوات الجماهيرية: قوى وأحزاب، نقابات، اتحادات، مؤسسات جماهيرية أخرى، وغيرها، وغيرها.... وقصورها الواضح أيّاً كانت اتجاهاتها: وطنية، قومية، دينية ويسارية في التعامل مع متطلبات المرحلة تشخيصاً، وأداءً فعلياً متصدياً للاستهدافات من جهة، ومن جهة أخرى، العمل على إنتاج البديل الفعلي والنقيض لما هو قائم. في ظل هذه الحالة العامة العربية الرديئة، المملوءة بالصراعات الدموية، والتي إن لم تَجْرِ معالجتها على وجه السرعة، فإنها تهدد بالمزيد من التمزيق في الحالة العربية، وتؤسس لصراعات أخرى وانقسامات أكثر حدةً في تأثيراتها، بحيث يصعب على الأجيال القادمة (والتي من الخطأ والخطيئة أن يتم توريثها لها) إيجاد أية حلول لها، لأنها تكون قد استفحلت وطالت وأصبحت جزءاً أساسياً، من عموم الحالة العربية ومن مكوناتها الرئيسية. من هنا، تنبع أهمية تجاوز هذه الحالة التمزقية، الانقسامية، الصراعية الخطيرة.. إن من أجل الانتصار عليها , أواحتواء مظاهرها السلبية، على قاعدة وأسس سليمة، تعمل على حلّها وتضمن عدم إعادة إنتاجها.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، التأسيس لمستقبل يكون قوياً، ثابتاً وراسخاً في مفاهيمه الوطنية والقومية، مهما تعرض للتأثيرات العدوانية والمؤامرات، التي قد تتخذ أشكالاً داخلية أخرى في استهدافاتها العديدة والبعيدة المدى. لن يتم تجاوز عقبات وإشكاليات وصراعات المرحلة، إلاّ من خلال إطلاق المشروع النهضوي الوحدوي العربي وفي المجالات: الاقتصادية، السياسية، والثقافية، الاجتماعية والعسكرية. مشروع نهضوي وحدوي عنوانه: الوحدة العربية. مشروع يأخذ بعين الاعتبار الجوانب السلبية وعوامل الفشل لكافة المشاريع النهضوية السابقة. مشروع نهضوي وحدوي لا يقف عند التحديد النظري للأسس، وإنما يُدخِل في آليات تحقيق بنوده واقعاً فعلياً ملموساً. مشروع جمعي وحدوي عربي ينطلق من قاعدة الهرم، أي من الجماهير الشعبية، وليس من البنَى الفوقية، التي تُبقي قراراتها وتصوراتها للعمل الجماعي العربي المشترك في أدراج خزائن المؤسسات الرسمية المختصة. مشروع يهدف إلى تجديد الثقافة العربية المشتركة – تاريخاً وأصالةً وتراثاً وعوامل مشتركة أخرى. مشروع يأخذ بعين الاعتبار المصلحة القُطْرية للدولة، على قاعدة المصالح القومية ... لما في ذلك من روابط عضوية وعلاقات جدلية بين المسألتين، بعد أن ثبت بالملموس عقم إمكانية تحقيق التقدّم القُطْري بعيداً عن الاستناد إلى القاعدة القومية.