11 سبتمبر 2025

تسجيل

مرايا

16 مارس 2023

عالم المرايا مدهش وجميل وأيضاً مخيف، فالمرايا تعيش معنا كأنها رفيق العمر الذي نتحاور معه دائماً في كل الأزمات والمواقف، لذلك اجده عالما لطيفا وساحرا وكوميدياً وفي أحيانٍ كثيرةٍ قد يبدو جزءًا من المأساة !!. فكم منا يحتاج للوقوف أمام المرآة وخلف روحه ليكتشف نفسه قبل أن يتعرضه الآخر بالكشف فيتعرف على ماهيته وأخطائه وأخلاقه وبسلوكه وكلامه الظاهرين وإن صدقا للعيان حتى يصل إلى ماذا يريد وكيف يريد وماذا عمل ويعمل. لا بد أن تلك المرآة ستقول له أشياء مختلفة في زمن وعالم مختلفين بعقلية مختلفة وبالتالي من منا اجتهد في البحث عن المرآة المناسبة له ليتوصل إلى حقيقته، وكم من المرايا لا نعيرها انتباها إلا عند الزينة عندما تكشف لنا بعض عيوبنا الشكلية وكم من المرايا نذهب إليها ونقصدها لنصلح من أشكالنا وملامحنا ونعدل في زينتنا، وكم من المرايا نحملها في حقائبنا وفي حاجياتنا لكي نتمعن فيها صورنا ونعدل ما نستطيع تعديله من شكليات وملامح مُتقنة تسر النظر. ويرجح المؤرخون أن أقدم مرآة استخدمها الإنسان على الأرجح، هي برك الماء الساكن، داكنة اللون، أو الماء الموجود في أوان بدائية حاول الجنس البشري ان يرى ملامحه فيها متفحصاً او متأنقاً او على الأقل ليتعرف على ماهية شكله الذي يراه الآخر عليه. عموماً لا ينبغي لوم المرايا على فشلها في عكس الحقيقة الأعمق كما أنها لا تستحق التمجيد إنْ فعلت ذلك والمرايا لا تصبح أدوات تأملية إلا حين يلاحظها المرء الذي له قدرة التأمل، وفي العديد من اللغات نجد صيغًا مختلفة لهذه العبارة « العيون هي مرآة الروح» ولعل المقصود بها أنه إذا أردنا معرفة روح شخص ما فإن أعينهم هي كل ما نحتاج إلى النظر إليه، لكن كيف يمكن للمرء أن يرى أرواحهم؟ وما الذي تنظر إليه عندما تنظر إلى انعكاسك في المرآة؟ هل تنظر مباشرة إلى عينيك؟ أم تتجنبها بالاهتمام والانغماس بمظهر وجهك وهل تستطيع أن ترى نفسك تنظر إلى نفسك بالمقابل؟ إلى اي حد يمكنك أن تحدّق في نفسك على الأقل لتكتشف من انت وماذا تستحق وماذا تنوي فالعيون احياناً تفضح نوايا قلوبنا لكن الغالبية العظمى تتغافل عن ذلك المرئي منتظرةً موقفاً يتكفل بترسيخ او نسف ما حصل لاحقاً،، لذلك فلا ذنب للمرآة ان باتت رفيق زينةٍ وبُهرج فقط. أخيراً: أسطورة «نركسوس او نرسيس» في الأساطير الإغريقية او كما تأتي على لساننا «نرجس» تُعلمنا أن المرء قد يغرق بسبب انبهاره بالمظهر الخارجي، فدع الإعجاب جانباً وابدأ بالتفكّر.