17 سبتمبر 2025

تسجيل

حوار مع مثقف ينتحر

16 مارس 2022

قال لي بعد أخذ نفس عميق من سيجارته: لا أسمع إلا شتما وسبا وقدحا، هل كتب على هذه الأمة ان تكون أمة شتم ولطم؟ قلت له: الشتم أداة ماضوية ليس لها علاقة بالمستقبل، أجاب: بالفعل لذلك نحن نعيش الحاضر والمستقبل مشروع «شتم» مؤجل لا ننظر اليه كبداية جديدة وإنما كحاضنة لمشروع شتم وسب وقذف قادم، قلت له: ما السبب في نظرك؟ قال: لأن تاريخنا تاريخ «شيطنة» وليس «تاريخ «أنسنة». قلت له: كيف؟ أجاب:استقرئ تاريخنا بعد الخلافة الراشدة الأولى لتعرف ذلك، منذ ذلك التاريخ وجدلية الصراع تقوم على شيطنة الآخر دينيا وعرقيا، وطالما أن الأمر كذلك فإن القاموس اللغوي الوحيد الفعال هو قاموس الشتائم. قلت له: لا نريد أن نلج التاريخ المثخن الآن، دعنا نتحدث عن اليوم. قال لي: كانت الشتيمة في الماضي قصيدة لا تصل إلى المواجهة الا بعد فترة ووقت طويل تكون كثيرا من الأمور قد تغيرت ربما، اليوم الشتيمة كالرصاصة التي تصل في حينها إلى صدر المشتوم فتحيله شيطانا يرجم عبر تقنيات الاتصال الحديثة التي وضعت للاتصال والتواصل الاجتماعي فإذا بنا نحولها إلى قاذفات شتم وسب ومنجنيق بذاءات. واكمل قائلا: دعني أكن صريحا معك نظرت كيف كان الوضع ابان الازمة الاخيرة او ما نسميه ازمة الحصار من مستوى ثقافي متدن الى درجة القاع، سب وقذف وشتم لرموز المنطقة وصل إلى حد لم تشهده ثقافة المنطقة عبر تاريخها من بذاءة وعدم احتشام بل وقذف. قلت له: بماذا تعلل ذلك يا ترى؟. اجاب: أرى القضية من جانبين، جانب فلسفي، وجانب اجتماعي ثقافي: فلسفيا: تاريخ المنطقة بالشكل الحالي أوشك على النهاية والزوال، لم تصل الأمور منذ قيام هذه الدول إلى هذا المستوى المنحدر، وهذا دليل واضح على انهيار منظومة قيم كانت بمثابة الدرع الواقي والاساس القوي لاستمرار هذه الانظمة. أما اجتماعيا وثقافيا فتراجع دور الطبقة الوسطى «ثقافيا» التي تملك الرأي وقادرة على اسداء المشورة بتجرد، أمام شريحة جديدة ريعية الثقافة وظيفية التوجه انتهازية متلونة، قلت له: كيف يمكن الخروج إذن من هذه الدائرة؟ قال: إذا كانت الأمور تؤخذ بالنُذر، وبالمقدمات، فإن شيئا ما يلوح في الأفق، حيث لا يمكن ان تستمر ثقافة تشتم أو أخرى لا تتقي من الشتم. قلت له: تلك من سنن الله، فهز رأسه موافقا، وأكمل نفسا آخر من سيجارته التي قاربت على الانصهار وهي في فمه.