15 سبتمبر 2025

تسجيل

الشباب والمبادرات المجتمعية في ظل الأزمات

16 مارس 2016

كثير من الأفكار الخلاّقة تظل حبيسة أذهان أصحابها، أو رهينة الأوراق والدفاتر وذاكرة الحواسيب، لأنّه لا يتاح لها أن تتحوّل إلى مبادرات ومشاريع تتجسد واقعا في حياة الناس. ولعلّ أعظم المشاريع والمبادرات أهمية هي التي ينعكس خيرها على المجتمعات التي تظهر فيها، وتقدّم قيمة مضافة في إطار الخدمة المجتمعية، وحلولا مبتكرة وإضافات مبدعة للمشاكل التي تعاني منها هذه المجتمعات أو التحديات التي تواجهها. لهذا السبب أعجبني موضوع مؤتمر "إمباور 2016" في نسخته الثامنة، والذي ينعقد في الدوحة غدا، تحت عنوان: "الابتكار في ريادة الأعمال المجتمعية للشباب"، ذلك لأنه يسلّط الضوء على مفهوم ريادة الأعمال المجتمعية للشباب، وأثرها الإيجابي على المجتمع، ويهدف إلى رفع الوعي بين الشباب، ممن تتراوح أعمارهم بين (17-32 سنة)، فيما يتعلق بالفرص والتحديات التي تواجهها ريادة الأعمال، مع التركيز على ما يحفزهم لتوظيف مهاراتهم الإبداعية للابتكار في هذا المجال، وتأسيس المشاريع التي تضيف قيمة مميزة لمجتمعاتهم. دعم الأعمال والمشاريع المجتمعية الخاصة بالشباب تدريبا ورعاية مادية ومعنوية وترويجا، يكتسب أهميتين الأولى إعانة الشباب على توفير أعمال خاصة بهم، ومساعدتهم على شق طريق حياتهم العملية وتحقيق ذاوتهم، وتجسيد أحلامهم على أرض الواقع، والأخرى استثمار قدرات هذه الشرائح العمرية في مبادرات تخدم المجتمع، وتسهم في تنميته ونهضته، وتسد عجزا قائما في احتياجاته.قبل أيام قليلة اطلعت على مبادرة: "نفهم" الرائدة وخدماتها الإلكترونية عبر موقعها الإنترنت وقناتها على اليوتيوب منذ تأسيسها عام 2012، وتطبيقها الخاص بالهواتف الذكية، وعلى دورها كخدمة تعليمية رائدة لشرح المناهج الدراسية في كل من مصر وسوريا والسعودية والجزائر والكويت، بشكل مبسط ومجاني، من خلال الفيديوهات التعليمية، حيث أنتجت عشرات الآلاف من الفيديوهات، التي قاربت مشاهداتها من حوالي 43 مليون مشاهدة، وحظيت بمتابعة أكثر من 500 ألف طالب. ولعل القيمة المضافة في هذه المنصة الإلكترونية المبتكرة هي اعتمادها على مبدأ التعليم التشاركي أو الجمعي، الذي لا يقتصر على ما قد يقوم به المدرس تطوعيا فقط، بل يتيح لوليّ الأمر والطالب نفسه أن يشارك بقوة فيه. وتؤمن " نفهم" بمقولة: "كل شخص في وقت ما يجب عليه أن يكون معلماً"، وتتبنى ثقافة أن أفضل شرح مناسب لك كطالب ليس شرطاً أن تجده لدى مدرس، بل قد تجده لدى أيّ شخص من مجتمع "نفهم" المشاركين بشرح لهذا الدرس، وتشجع على ذلك من خلال البطولات (المسابقات الشهرية). ويبدو أن فضاء الإنترنت وقنوات وشبكات التواصل الاجتماعي العابرة للفواصل المكانية قد شجعت كثيرا مثل هذه المبادرة وسهلت عملها وتفاعل الجمهور معها، ووسعت من إطارها في خدمة المجتمع.وفي ظل الأوضاع الاستثنائية التي تشهدها عدد من الدول كسوريا والعراق واليمن وقبلها فلسطين، بسبب عدم الاستقرار واضطرار الملايين للنزوح واللجوء، أو بسبب معاناة الفقر والبطالة والحصار فإن الحاجة لمثل هذه المبادرات تكون أكثر إلحاحا، لأنها يمكن أن تسهم في التخفيف من النقص الحاصل في جانب التعليم والدعم النفسي وخدمات الطفولة والصحة، وتستثمر قدرات أبناء النازحين واللاجئين، وإمكانات وخبرات الشباب والمتطوعين العرب ليقدم كل في مجاله خدماته المجانية في هذا الجانب. وكذلك موضوع التوظيف عن بعد بمكافآت تشجيعية. وفي الدول التي لا تعاني من الحروب أو الحصار أو ظروف انعدام الأمن خصوصا الدول العربية والإسلامية، يقع على عاتق المبادرات والأعمال المجتمعية مهمتين الأولى استثمار قدرات الشباب الطموح التواق للعمل في نفس هذه المجتمعات، والأخرى توظيف طاقات الشباب في الدول والمجتمعات التي تعاني من الظروف الاستثنائية في أعمال تحفظ كرامتها الإنسانية وتوفر لها مصدر رزق، وتنعكس في ذات الوقت بالنفع على المجتمعات المتضررة، باعتبار أن هذه الشرائح أقدر من غيرها على تلمس معاناة مجتمعاتها، وأقدر على التعامل مع مكوّناتها، وأكثر قبولا لديها، ولعل فضاء الإنترنت وشبكات التواصل المفتوح يسهل مثل هذه المهام ويساعد عليها ويفتح الآفاق لابتكار واقتراح المزيد.