17 سبتمبر 2025
تسجيلعُقدت قبل فترة ندوة (الثقافة والمثقف.. تحديات وآفاق) بتنظيم من اللجنة الثقافية بنادي الوكرة ومؤسسة وعي للدراسات والأبحاث، وحاضر فيها كل من: الدكتور جاسم سلطان والدكتور نايف بن نهار.وأتجاوز هنا التعريفات التي وردت من كلا المُحاضرَين الكريمين للثقافة والمثقف، إلى اللب الموضوعي لحتمية وجود الثقافة والمثقف في المجتمع. وكذلك الإشادة بأسلوب المحاضرَين في توصيل مادة البحث.فالثقافة هي الوعاء الذي تنصهر فيه كل التجارب الهادفة إلى خلق تحوّل إيجابي في المجتمع، بحيث تجعله ينتقل إلى حالة أفضل. والمثقف هو من يشارك في خلق ذاك التحول، وهو الذي يطرح الأسئلة الصعبة، التي لا تُشغل بال المواطن العادي. والمثقف مسؤول عن التجديد نحو الأفضل، واستنباط واستلهام الأفكار الجديدة في العلوم الإنسانية، بهدف تقديم حلول لما يعانيه المجتمع. ودون أن يمتلك المثقف الأدوات الصالحة لهذا التحول، فإنه لن يستطيع التأثير، وبالتالي يظل المجتمع أسير "تراثيات" محدّدة، تأَصَلت بحكم العادة، وأصبحت من "المُسلمات" أو "الأصنام" التي تجد من يركع لها.الثقافة تحوّل وخلق وليست "تصنيمًا"، ولكن للأسف، تتم محاربة من يحاول هذا التحوُّل، ويتم استرضاء من يعكف على التصنيم. وهذه إشكالية كبرى في المجتمع العربي. ومن هنا جاءت فكرة (المركز والهامش)، كي تضع أصحابَ التحوِّل في المهمش، وتضع أصحابَ "التصنيم" في المركز، فصار أن مَلكَ الفريق الثاني "المُصنّم" أدواتِ خلق الثقافة، وتوزيع نعمائِها، في حين حُرم الفريق الأول "المُجَدِّد" هذه الأدوات وتلك النعم.الحرب والثقافة.. لاشك أن عدم الاستقرار - في أي مجتمع – يخلق حالة طاردة لأي شكل من أشكال الثقافة! فالكاتب المبدع لن يستطيع إعمال فكرهِ وهو مشغول بقوت يومه أو بأمنه أو أمن أسرته. والفنان تجافيه الريشة ويجافيها، عندما يتصور أن قنبلة سوف تشطر لوحته، أو أن تُجّار الأمن والحروب سوف يكسرون ريشته، حتى وإن أغصبَ نفسه، فلن تأخذ اللوحة معانيها التي يختزلها في عقله وذائقته، لأن غير مستقر وغير سعيد.طرحت مجموعة من التساؤلات حول فلسفة الثقافة وأكاديمية المثقفوهذه التساؤلات تفتح الشهية لمزيد من الإيضاحات. فعلاً! ليس كل من يحمل شهادة يكون مثقفًا، فالشهادة تعني إنجاز مرحلة تعليمية، وهو ليس جواز سفر صالحًا في مجال الثقافة! والشهادة وسيلة للحصول على منصب أو وظيفة أو درجة أعلى. وهناك الملايين من حاملي الشهادات، ولكن لا يجوز تصنيفهم على أنهم مثقفون. لأن المثقف هو المنتج للثقافة، التي تساهم في إحداث تغييّر في مفاهيم المجتمع، بل ويُسعد ويفيد المجتمع بإنتاجه. كما أن موظفي الثقافة ليسوا بالضرورة مثقفين، وإن كانوا يحملون شهادات، فهم ينظمون ويُسهلون العمل الثقافي، بل إن بعض هؤلاء لا يقرأ، ولا ينتج أي إنتاج فكري أو إبداعي. من هنا يجب عدم الخلط بين ما هو ثقافي فكري إبداعي، وبين ما هو ثقافي إداري وتنظيمي. هناك العشرات يعملون على تنظيم معارض الكتب السنوية، فهل نعتبرهم مثقفين؟! وتلعب الموهبة دورًا أساسيًا في وجود المثقف! فلذلك نجد أصحاب المواهب من شعراء، ملحنين، كتاب قصة، روائيين، موسيقيين، مطربين، رسامين، مسرحيين.. إلخ، نجدهم قلة في المجتمع، ولأن لديهم فكرًا يحاول التجديد وخلق التحول في المجتمع، نجد أغلبهم في (الهامش)، في حين نجد الإداريين والتنظيميين في (المركز).وهذا ما أسهم في تراجع العديد من المشاريع الثقافية الطموحة، وفي تقدم وشيوع المشاريع الهشة والعشوائية، التي تدخل ضمن الترضيات والمقاربات الاجتماعية، وأيضًا المهمات الرسمية.واختم بأهم التحديات التي يواجهها المثقف، والتي قال عنها د. نهار إنها تحديات: سلطة الدولة، وسلطة الجمهور، وسلطة المجتمع.