15 سبتمبر 2025

تسجيل

مقتضيات التفرقة بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية 3

16 فبراير 2024

لا تمس ذمة الإنسان طالما كان قادرًا على الوفاء بديونه، وبذلك تكف يد الدائنين من التنفيذ على أمواله، وتستمر هذه المنعة حتى يعجز المدين عن سداد ديونه، فمتى ثبت عجزه جاز للدائنين استيفاء حقوقهم عن طريق التنفيذ على أمواله. وأنظمة التنفيذ عديدة ومختلفة، فيتسم بعضها بالليونة والمراعة، بينما تتسم الأخرى بالقسوة والمهانة، ومن تلك الأنظمة نظام الإفلاس الذي يتسم بالغلظة والذلة في معاملة التاجر، خاصة في حالة الإفلاس بالتقصير أو بالتدليس؛ لأن العلاقات التجارية ما هي إلا عبارة عن حلقات مترابطة ومتشابكة، فيصبح التاجر دائنًا ومدينًا في آنٍ واحد، وبتخلفه عن سداد ديونه تكسر الحلقات ويعجز الآخرون معه. ولذلك يقوم نظام الإفلاس باجتثاث التاجر الذي لا يواكب الحياة التجارية ويحدد نشاطه، حينئذٍ يصبح التاجر حريصًا على الوفاء بديونه في مواعيد استحقاقها. وقد تناول المشرع القطري الإفلاس في قانون رقم (27) لسنة 2006 بإصدار قانون التجارة في الباب السادس منه. الإفلاس هو نظام يصيب التاجر عند عجزه عجزًا حقيقيًا عن دفع ديونه الحالة ولو كانت أمواله كافية للوفاء بديونه كلها، بغية تحقيق المساواة بين الدائنين والمدين التاجر، عن طريق تصفية أمواله تصفية جماعية وفقًا لقسمة الغرماء. وفي معنى الفلس يقول الصغاني في العباب الزاخر واللباب الفاخر: الشخص عندما لا يبقى له مالٌ، مثل من صارت دراهمه وفلوسه زيوفًا، ويقال فلسه القاضي تفليسًا أي حكم عليه القاضي بالإفلاس ونودي بأنه مفلس. ويقتصر نظام الإفلاس على التجار الذين توقفوا عن دفع ديونهم التجارية، فنصت المادة (606) من القانون التجاري القطري على أنه «كل تاجر توقف عن دفع ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها»، ويعد جزاءً عتيدًا وقاسيًا تجاه كل تاجر يشق عصا الائتمان التجاري، ويخرق الثقة التي تعد أساس المعاملات التجارية، ومن ثم لا يجوز شهر إفلاس غير التاجر؛ أي عندما يمتنع المدين عن دفع ديونه فلا يطبق عليه نظام الإفلاس بل نظام الإعسار الذي لم يأخذ به المشرع القطري؛ وعلة هذه التفرقة تكمن في أن الامتناع عن الوفاء بدين مدني لا يمس المشروع التجاري، ولا يترتب عليه الأثر الذي يترتب على عدم الوفاء بالدين التجاري، كذلك خطر إفلاس التاجر لا ينصب عليه وحده بل يصيب الدائنين، والقوة العاملة لديه، والقوة الاقتصادية للبلاد. ونتيجة لما سبق، نجد أن نظام الإفلاس لا يمتد إلا للتاجر الذي توقف عن دفع ديونه التجارية، فإذا كان غير تاجر لا يشمله النظام، وإذا كان الدَّين غير تجاري فلا يؤدي توقف التاجر في هذه الحالة إلى إفلاسه. ولذلك لا بد من الوقوف على طبيعة الدين الذي توقف التاجر عن دفعه لمعرفة شرعية طلب شهر الإفلاس. ونضع في الحسبان استثناء المشرع بجواز شهر إفلاس التاجر بسبب تخلفه عن الوفاء بدين مدني حال الأداء، وذلك بشرط أن يقدم الدائن ما يثبت أن المدين التاجر قد توقف عن دفع ديونه التجارية الحالّة لدائنين آخرين. ولا بد من التنويه هنا بأن نتائج الإفلاس خطرة؛ حيث تتمثل في غل يد المفلس عن إدارة أمواله، وإحالة إدارة المال إلى شخص يسمى مدير التفليسة، وألا تنفذ جميع التصرفات التي قام بها أثناء فترة الريبة، وما ذاك إلا تقييد لحريته الشخصية، كما تسقط عنه بعض الحقوق المدنية والسياسية؛ بل إذا نتج الإفلاس عن سوء نية، فقد تترتب عليه عقوبات جنائية.