11 سبتمبر 2025

تسجيل

ما الذي يحدث حين يموت أحدهم؟

16 فبراير 2021

استيقظت صباحاً على نبأ وفاة زميل لي في مقر عمله، ولم يكن شخصاً عادياً، فهو الرجل الذي ينظم جميع أعمال وفعاليات وأنشطة المؤسسة، فهو الدينامو، ونقطة الوصل بين تقاطعات الإدارات المختلفة، إنه الجوكر الذي يوجد للمشكلة الواحدة مائة حل، لم يكن يعجزه نوع أو طبيعة المناسبة، مهما كان كبر حجمها أو عدد الحضور أو المستوى الرفيع للحضور، كان من النوع الذي يقال عنه مستعد دائماً وابداً، ولم يكن من النوع الذي يهمل في نفسه أو منزله فقد كان من الرجال القلائل أو كما يقال الآن بين جيلنا رجل من رجال الزمن الجميل، الذين مهما تكالبت عليهم الصعاب نجدهم ملتزمين بموعدهم مع عائلاتهم، متواجدين صباحاً للتأكد من وصول أبنائه مقر المدرسة، ونهاية اليوم المدرسي لضمان إيصالها سالمين للمنزل، هذا غير الرحلة الممتعة من المدرسة للمنزل، والتي كانت لا تتم بدون أحاديث أو نكت عن ماذا وكيف ولماذا. إنه شخص استثنائي ليس في مقر عمله فقط بل في منزله أيضاً، فهو الزوج المحب والحنون، السند لزوجته وعائلته، فهو يأبى أن يقلل من أعبائه الكثيرة لكي لا يشعرهم بنوع من التقصير المادي، ولكي لا يقل المستوى المعيشي مهما كانت الظروف، لذلك حين سمعت خبر وفاته توقعت الكثير من القليل، حزنت في البدء كثيراً وهممت أتواصل مع أخته التي كانت صديقة مقربة لي، والذي عرفته من جميع الانباء أنه توفي وهو يشرف على التحضير لاحد المعارض الهامة في الدولة، وهو معرض تم الإعداد له منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وذلك من خلال عملية تسويق مكثفة لاستقطاب أكبر عدد من المشاركين في المعرض بهدف زيادة القيمة السوقية للمعرض، فأي معرض لا يمكن أن ينجح دون العدد الكافي من المشاركين ممن له صفات معينة تساهم في رفع قيمته واستهداف عدد من الحضور والزوار لضمان نجاحه. وفي هذا الرجل المعطاء وهو في أوج عطائه فقد كان مستوى الضغط عاليا قبل افتتاح المعرض بيوم واحد، حيث تم ارسال كافة الدعوات للشخصيات الهامة، وتم تأكيد عدد منها، ولم يتبق على الافتتاح سوى ست ساعات، والذي حدث لم يكن أحد يتوقعه، نظراً لكمية العمل الواجب انجازه، كان الرجل يقف بنفسه على كل مهمة ووظيفة لاتمامها بالشكل المناسب، وكان هذا الأمر سببا في نسيان المتوفى لتناول حبة تقليل ضغط الدم. ونظراً للتوتر الذي يقابل تنفيذ مثل هذه المعارض مما تسبب في ارتفاع ضغطه وتوقف قلبه خلال احدى المهمات. توقف قلبه عن العمل، توقفت الرئتان، ضاق مستوى التنفس، شعر بأن الدنيا تدور به، حاول أن يصرخ على أحدهم، يستنجد به لينقذه ليصل اليه قبل أن يقبض الموت على روحه، لم يكن أحد موجودا، فالجميع كان في فترة استراحة مدتها ساعة لتناول وجبة الغداء الا هو أبى أن يأخذ قسطاً من الراحة وحاول بكل جهد أن يتم بعض الأعمال المعلقة. وُجد ممدداً على أرض المعرض، لافظاً أنفاسه الأخيرة بوحدة ووحشة، اطلقت زوجته صرخة سمعها كل من كان موجوداً وهبوا للنجدة ولكن لم يكن هنالك مجال للنجدة، طلب أحدهم سيارة الاسعاف لتقله الى المستشفى ومن ثم الى مثواه الأخير، ثم تم اعلان الوفاة. لم يتغير أي شيء، تم افتتاح المعرض في موعده، المدعوون جاءوا من كل مكان، تبادل الجميع التهاني على الافتتاح في الوقت الذي كان أهله يصلون عليه صلاة المودع، بكت زوجته وكادت أن تصاب بانهيار عصبي، أمه بكت وصرخت امسكوا بها فهو ابنها البكر الطفل الأول الذي معه شعرت كيف للفؤاد أن يتحرك خارج الجسد، والتي كل فترة ظهيرة من العزاء تجول في الطرقات لتعرف كيف هي درجة الحرارة وتدعي وهي تتجول "برداً على جسد ابني، يارب" فقد كانت درجة الحرارة لا تطاق. الأهل بكوا، تألموا، اعتصر الألم قلوبهم، وكاد أن يفتك بهم، ولكن ركب الحياة لم يتوقف، لم تتوقف الأعمال عن اتمامها فحين يموت أحد يوجد له بديل في مجال الأعمال بشكل فوري، وذلك حتى لا تتأثر صناعة المال، نحن في زمن لا يمكن ألا يكون لنا بديل، قد يوجد البديل في نفس الوقت الذي نقبل به بشروط الوظيفة. إضاءة مارسوا حياتكم وكأنه لا يوجد لغد غد، استشعروا قيمة اللحظة في ذاتها، لا تتوقعوا الكثير من البعض، فالأحبة يرحلون، والإخوة ينسون، والأهل ينشغلون، لا يبقى لك إلا ذاتك في أشد الصعاب واخفها، تذكر أن الله وحده هو السبيل والغاية. [email protected] @shaikhahamadq