14 سبتمبر 2025
تسجيلكانت الأم فى الماضى تتصف بالحكمة والوقار والصبر والهدوء وكل ما هو جميل .. حتى رواية القصص للأطفال كانت لها طعم آخر عندما كانت تحكيها أمهات ذلك الزمن الجميل .. وكان الأب هو الحصن المنيع والسند الذى يلجأ إليه الجميع للحماية وطلب النصيحة وحل المشكلات بمن فى ذلك الأم نفسها . والآن اختلف الوضع تماما حيث أصبحت العصبية الشديدة والصراخ هو السمة الأساسية فى لغة الحوار السائدة بين الأم وأطفالها .. فما هو السبب أو الأسباب التى أدت إلى هذا ؟ قد يكون ذلك بسبب الضغوط النفسية والإقتصادية الواقعة على كاهل الأم .. وكذلك الأعباء الملقاة على عاتقها داخل المنزل وخارجه .. وقد يرجع ذلك – كما تؤكد معظم الأبحاث الإجتماعية التى أجريت فى هذا المجال – إلى الأعباء المتزايدة على الأم بسبب سرعة إيقاع الحياة والمهام التى إستجدت فى حياتها مثل مساعدة الأطفال فى تحصيل وفهم وإستيعاب الدروس خاصة بعد أن فقدت المدارس الدور المنوط بها والذى يتوجب على الأم تعويضه .. كل هذا صحيح ولا يملك أى عاقل أو منصف إلا أن يعترف به .. ونحن نضيف إلى ما سبق أن الأم فى معظم الأسر تقوم بالدور المطلوب من الأب بسبب إنشغاله الشديد فى عمله أو بسبب عدم تواجده لدواعى السفر .. وهكذا يصبح دور الأم غاية فى الصعوبة خاصة إذا كانت الأم من السيدات العاملات .. ومن هنا تنفلت أعصابها وتلجأ إلى العصبية والصراخ وهو ما ينعكس سلبا على الأطفال وعلى الأم نفسها .. وهذا ما سنحاول التطرق إليه فى هذا المقال . بالنسبة للأطفال فإن عصبية الأم وإنفعالاتها الزائدة عن الحدود المعقولة والمقبولة من شأنه أن يجعل الأطفال يعيشون فى جو عائلى مشحون .. ومن المعروف أن الطفل يتشرب البيئة التى ينشأ فيها .. ويزداد الأمر سوءاً لو كان الأب يتصف بالعصبية هو الآخر .. ومن المعروف أن السلوكيات التى يتربى عليها الطفل تظل راسخة داخل عقله وتؤثر على مستقبله الذى ولابد بالضرورة أن يعانى من مشكلات وإضطرابات سلوكية لا يكون من السهل علاجها فى حياته المقبلة حيث ستكون العصبية وانفلات الأعصاب هى النهج الذى يسير عليه . والمشكلة الأعمق من هذا هو إعتياد الأطفال على عصبية الأم وصراخها والتعايش معه وبالتالى فسوف تفقد الأم ما تظنه سلاحا للسيطرة على الأبناء أو وسيلة قسرية لتنفيذ مشيئتها . وأيضا من النتائج الوخيمة ما سوف يترسب فى أذهان الأطفال الأكبر من أن هذا هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع الأطفال الآخرين ممن يصغرونهم سناً . والأم نفسها ستكون أول من يتأثر بصراخها وعصبيتها حيث ستنتابها نوبات من البكاء كل حين وآخر وقد لا تكون على وعى وإدراك بالسبب وراء ذلك والذى يفسره علماء النفس بأنه بسبب الندم .. ندم الأم على ما يبدر منها تجاه أطفالها وشعورها – سواء كانت تدرى أو لا تدرى – بأن يؤدى ذلك إلى كره أطفالها لها . وبالإضافة إلى ما سبق فإن الحالة العصبية للأم الحامل سوف تؤذى جنينها لأن التركيبات الكيميائية للدم التى يتغذى عليها الجنين سوف تتأثر بالسلب وسوف ينتج عن ذلك ولادة طفل عصبى أو معاق وهو سيجعل الأم تعانى منه طوال حياتها . وتأسيسا على ما سبق فإننا ننصح كل الأمهات بأن تكون النقاط التالية موضع إهتمامهن : - ضرورة إبتعاد الأم نهائيا عن الصوت العالى والصراخ والعصبية فى تعاملها مع أطفالها وأن تتذكر دوما أن هذا من شأنه أن يعقد الأمور الحياتية خاصة عند وجود مشكلة . - أن يكون التشجيع وليس الإنتقاد هو دائما نهج الأم حيث أن النقد يضعف شخصية الطفل خاصة لو كان أمام الآخرين . - أن تكون العبارات المحفزة مع تصحيح الأخطاء بالحوار والتوجيه للتصرف السليم وفى المقابل يكون الثناء والمكافأة عند التصرف السليم . - عدم العقاب بالضرب أو الإهانة واللجوء إلى الأساليب التربوية الحديثة للعقاب مثل الحرمان من شئ يحبه الطفل أو الجلوس بمفرده لفترة محددة شريطة أن يكون سبب العقاب معروفا وواضحا للطفل . وهنا فإننا نجد أنه لزاما علينا أن ننصح كل أب وكل أم بأن يضعا أمرين فى غاية الأهمية نصب أعينهم . - أولهما : تجنب الخلافات الزوجية أمام الأطفال وأن يكون التصرف بهدوء مع إظهار إحترام كل طرف للآخر وإضفاء جو من الترابط والحب والحنان . - ثانيهما : تخصيص وقت للجلوس مع الأطفال واللعب معهم ومراعاة تأثير الجانب الترفيهى العظيم وأثره فى هدوء الجو الأسرى فى البيت . وأخيرا فإن علماء التربية وعلم النفس يجمعون على أنه لكى يكون لدينا أطفال أسوياء فمن المفروض أن يكون التعامل مع الأطفال فى هدوء وإتزان وعقلانية بعيدا عن المبالغة والإنفعالات وأن نتذكر دوما أن كل ما يتلقاه الطفل فى الصغر يظل عالقا بذهنه حين يكبر وأن نحرص دوما على أن نترك صورة حسنة فى ذهنه خاصة فى عهد السماوات المفتوحة التى تحيط أطفالنا من كل جانب وتحتاج دوما إلى تصحيح السلوكيات .