11 سبتمبر 2025

تسجيل

البحرين بين الإصلاح والطائفية

16 فبراير 2012

شهد هذا الأسبوع ذكرى مرور عام على الاضطرابات التي حدثت في البحرين العام الماضي، والتي كانت قد اندلعت عندما أطلق ناشطون بحرينيون دعوات عبر صفحتهم على موقع الفيسبوك "ثورة 14 فبراير في البحرين"، دعوا فيها إلى احتجاجات شعبية واسعة في البلاد، مستلهمين انتفاضات الربيع العربي الذي انتشر وعم أنحاء كثيرة في مختلف بلدان الشرق الأوسط، في محاولة للحاق بركب قطار التغيير السريع الذي انطلق من أولى محطاته في تونس. خرج آلاف البحرينيين إلى الشوارع في تظاهرات ومسيرات احتجاجية في 14 فبراير من العام الماضي، مما دفع السلطات لإرسال قوات الشرطة ومكافحة الشغب لتفريق المتظاهرين، وأدى ذلك إلى صدامات دامية بين الجانبين كانت نتيجتها مقتل عدد من الأشخاص وإصابة مئات آخرين. واستمرت الاحتجاجات الشعبية طوال الأيام اللاحقة، وطلبت الحكومة البحرينية الاستعانة بقوات درع الجزيرة المشتركة، وذلك بهدف تأمين المنشآت الاستراتيجية وحماية البنية التحتية الرئيسة من الفوضى التي اجتاحت البلاد وللمساعدة في حفظ الأمن. ومع ذلك، فإن وصول قوة درع الجزيرة زاد من تفاقم الوضع وتزايد الاحتجاجات، مما اضطر جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في نهاية الأمر إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد. وفي 18 فبراير من العام الماضي، تم تدمير "دوار مجلس التعاون"، مركز الاعتصام الرئيس للمتظاهرين الكائن في قلب المنامة والمعروف باسم "دوار اللؤلؤة"، من قبل القوات الحكومية. وفي يونيو من العام الماضي، تم رفع حالة الطوارئ، وقام الملك حمد بتكوين اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق وذلك للتحقيق في الأحداث التي وقعت في البحرين في الفترة من فبراير 2011، والنتائج المترتبة على تلك الأحداث. ولكن، ورغم مرور عام على تلك المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في البحرين، فإن الأزمة في البلاد ما تزال تراوح مكانها ولم تحل. وقد بدأت الحكومة البحرينية بالفعل بإجراء بعض الإصلاحات بما في ذلك الحد من السلطة التنفيذية، ومنح البرلمان دورا أكبر في وضع الموازنة العامة للدولة واقتراح القوانين، بجانب منح أعضاء مجلس النواب المزيد من الصلاحيات التي تمكنهم من محاسبة واستجواب الوزراء، بالإضافة لحصول النواب على المزيد من الحماية التي تعزز حصانتهم البرلمانية وتقيهم شر الإقالة. ورغم هذه التطورات الجديدة، إلا أن تطبيق هذه الإصلاحات على أرض الواقع لا يزال بطيئا، وأن كثيرا من المحتجين ما عادوا يصدقون هذه الوعود. إنه لأمر مؤسف حقا، فالبحرين كانت من أوائل الدول في مجلس التعاون الخليجي التي بدأ فيها تطبيق إصلاحات سياسية، وفي عام 1973، أشرقت على البحرين أشعة شمس مشرقة لحياة نيابية واعدة بصدور أول دستور برلماني سياسي، وفي نفس العام قامت أول انتخابات برلمانية. وفي الواقع، فإن سجل البحرين الحافل بالإصلاحات السياسية هو أفضل بكثير من بعض دول مجلس التعاون الخليجي. وفي عام 2000، بعد أن خلف جلالة الملك حمد والده في الحكم، قام بتنفيذ سلسلة من الإصلاحات فمنح العفو للمعارضين، وحل محاكم أمن الدولة ووضع ميثاق العمل الوطني البحريني، وهي وثيقة تمت الموافقة عليها في استفتاء شعبي عام والتي أشارت بوضوح إلى الإصلاحات الدستورية في البلاد. وهنا يكمن السؤال: ما الذي حدث إذاً في البحرين؟ فكما هو الحال مع انتفاضات مماثلة في المنطقة العربية، بدأت الاحتجاجات في البحرين لأسباب اجتماعية واقتصادية وارتفاع معدل البطالة في البلاد، ووفقا لكتاب حقائق العالم (ورلد فاكت بوك) الذي تصدره وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه)، فإن معدل البطالة في البحرين قدر بنسبة 15? في عام 2005. وهناك فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء في البلاد، كما أن البحرين أيضا تعاني من التنامي المضطرد في معدل المديونية العامة الذي يبلغ حاليا 75.3? من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. يجب أن تجد البحرين حلولا ومعالجات لمشاكلها الاقتصادية باتباع سياسات اقتصادية إصلاحية وتعزيز عدالة اجتماعية تلبي تطلعات الشعب وتهدئ من روع الاحتجاجات الشعبية القائمة. وقد تم بالفعل وضع " نسخة خليجية من خطة مارشال" لمساعدة البحرين وسلطنة عمان، الدولة الخليجية الأخرى التي ضربها زلزال الاحتجاجات، من أجل مساعدة اقتصادات الدول المعنية وذلك بضخ سيولة ضخمة لتضييق الفوارق التي أفضت إلى الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية في البلدين. وتم تخصيص مبلغ 10 مليار دولار للبحرين لتطوير المساكن والبنية التحتية خلال عشرة أعوام، كما تعهدت خطة مارشال الخليجية بإيجاد فرص عمل للمواطنين. إذا كانت الحكومة البحرينية تريد حل الأزمة، فإن عليها في المقام الأول معالجة السبب الرئيس الذي قاد للاحتجاجات هناك - والذي هو في الأساس ذو طبيعة اقتصادية، فهناك حاجة إلى تحسن اقتصادي سريع، وينبغي تطوير البنية التحتية في البلاد، ومنح الناس مساكن جيدة، وعليهم إرساء قيم العدالة والمساواة والبعد عن التمييز بكل أشكاله وتحسين المعايير الاجتماعية والمعيشية كما يجب إتاحة المزيد من فرص العمل للمواطنين، ففي ظل إصلاحات الربيع العربي، ليس بالحرية وحدها يحيا المواطن. ومع ذلك، فلا تعتبر خطوات الحكومة البطيئة في طريق الإصلاح السبب الوحيد في استمرار أزمة البلاد وعدم حلها، فهناك مشكلة أخرى تواجه البحرين وهي أن المحتجين وجماعات المعارضة أنفسهم أظهروا نوعا من عدم المرونة في مطالبهم، الأمر الذي لم يترك مجالا للتوصل إلى أي حل وسط يرضي الطرفين. عندما بدأت الاحتجاجات في البحرين، أظهر المتظاهرون، الذين جاؤوا من خلفيات طائفية وطبقية متنوعة، رغبتهم فقط في إجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادية واسعة النطاق. وخلال مقابلة مع قناة الجزيرة في بداية الاحتجاجات، قال نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان: "إن كل المطالب تتعلق بحقوق الإنسان وليس لها علاقة بالأسرة الحاكمة أو نظام الحكم". ولكن، ومع استمرار الأزمة في البلاد، اتخذ الأمر بعدا طائفيا وأصبح هناك منحى سياسيا في الأزمة من خلال تأليب السنة ضد الشيعة والعكس، وبكل تأكيد لم يكن الحال هكذا في بداية الاحتجاجات. وبدخول الطائفية إلى الحيز السياسي وتسللها وسط احتجاجات البحرين، زادت الفجوة اتساعا بين البحرينيين، الذين قدموا للتظاهر من خلفيات طائفية مختلفة، ونمت الشكوك بين الطائفتين، ووصل الأمر إلى الحد الذي جعل إحدى الطائفتين ترفض شراء المنتجات التي تباع من قبل الطائفة الأخرى والعكس، وكذلك فإن بعض المناطق في البلاد نجدها مقسمة حسب الانتماء الطائفي. يجب على الحكومة السعي الجاد لإيجاد حل من شأنه أن يجمع ويوحد الشعب البحريني، وإلا فستصبح البحرين في نهاية المطاف مثل لبنان، حيث هناك فجوة كبيرة بين الجماعات السنية والشيعية. يجب على الحكومة الإسراع في تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدستورية قبل أن تدمر بذور الفتنة الطائفية البلاد وتمزقها. ويتوجب إنشاء قانون يسمح بتشكيل أحزاب سياسية متعددة على أساس المعتقدات السياسية وليس على أسس دينية طائفية، يجب على الحكومة أيضا توفير المساواة على أساس المواطنة وتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية لجميع البحرينيين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي أو الطبقي الاقتصادي، بحيث يشعر الجميع بحضن الوطن الدفئ الذي يسع الجميع دون تمييز، ينصتون فيه إلى نبضات الحس القومي لبلادهم. إذا لم تبادر البحرين إلى معالجة المشاكل التي تواجه أولئك المحتجين، فسيأتي الوقت الذي لن يكون فيه حتى خيار الملكية الدستورية حلا لنظام الحكم الذي يمكن أن يحكم ذلك الشعب، وسيضطر الشعب إلى المطالبة بمساحة أكبر لن يرضى الشعب بأقل منها. ويتطابق هذا الرأي مع التحذير الذي أطلقه نبيل رجب، في مقابلة له مع قناة الجزيرة في بداية الاحتجاجات، حيث قال: "إذا ظلت الحكومة تلجأ إلى العنف في قمع المحتجين، فقد يضطر الناس للمطالبة بتغيير كل من هم في السلطة". يجب على جميع دول مجلس التعاون الخليجي أيضا أن تأخذ قضية الطائفية على محمل الجد، حيث إنها تولد الشقاق والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، لقد رأينا على أرض الواقع الكثير من الأمثلة والنماذج كيف أن هذه الطائفية قد تسببت في الحروب الأهلية ودمرت حياة الملايين من الناس. لا ينبغي أن ندع المؤامرات والدسائس، التي تصدر من قِبل جماعات بعينها، تؤثر على السلام الداخلي والأمن القومي. كما يمكن لوسائل الإعلام أن تلعب دورا قويا جدا في تعريف الناس بمخاطر الطائفية، وتثقيف الشباب وجعلهم في أوج الاستعداد دائما لمجابهة خطر الطائفية. إن الاستهداف المبطن الذي تمارسه تلك الجماعات يتطلب وجود حملات تثقيف عام صارمة، للحيلولة دون انتشار الفتن الطائفية، فنحن أحوج ما نكون الآن لوحدة الصف والعمل المشترك لمواجهة التحديات الماثلة أمام أمتنا العربية. يجب أن تظل عيون دول مجلس التعاون الخليجي متيقظة في كل الأوقات للحد من انتشار وباء الطائفية وتكاثر خلاياها البكتيرية الضارة بمجتمعاتنا وشعوبنا، فإن الأزمة في البحرين قد تنتشر إلى دول أخرى مجاورة مثل السعودية والكويت، كما تنتشر النار في الهشيم. ومع ذلك، فلقد شعرنا نحن أيضا بالصدمة حين علمنا أن بعض المنظمات غير الحكومية العاملة في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، تتآمر حاليا ضد البحرين، ولقد تم الكشف عن هذه الحقيقة مؤخرا من قبل القائد الأعلى لقوة دفاع البحرين، المشير الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، من خلال مقابلة له نشرتها صحيفة "الأيام" البحرينية. وكشف المشير عن حقائق تعلن للمرة الأولى، مفادها أن هناك حاليا 22 منظمة غير حكومية متورطة في هذه القضية وتعمل ضد مملكة البحرين، "تسعة عشر منها مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية وثلاثة في إحدى الدول الخليجية"، دون أن يشير إلى اسم تلك الدولة الخليجية. ومن المثير للسخرية أن تكون منظمات في دول الخليج جزء من مؤامرة لزعزعة استقرار البحرين رغم أن دول الخليج العربي من وضع خطة المارشال الخليجية في العام الماضي لمساعدة البحرين اقتصاديا. لقد ظلت دول الخليج العربي متقاربة وثبت ذلك في أوقات الضيق والشدة، يجب أن يكون هناك التزام من الجميع بالتعاون – بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وأن تقف الدول الأعضاء صفا واحدا ضد كل التهديدات الداخلية والخارجية، فلا خير فينا إن لم نساعد بعضنا البعض في أوقات الحاجة والشدة. خالد عبد الرحيم السيد [email protected]