19 سبتمبر 2025
تسجيلبدأت استطلاعات الرأي في العالم الغربي تتحدث عن الأضرار الهامشية التي تعرّض لها الإعلام الغربي نتيجة تغطيته المنحازة في العدوان على غزة، إن كان يوم نقل أكاذيب الكيان الصهيوني عن بقر البطون أو حالات الاغتصاب ليتبين كذبها، ومع هذا واصل القصة حين أخضع تقارير وكالاته ومحطاته للرقيب العسكري الإسرائيلي، كما كشف عن ذلك بالتفصيل موقع انترسبت، وتبين معه كيف خضع هذا الإعلام إلى عدم إرسال مراسلين له يغطون من غزة، بسبب رفض الجانب الإسرائيلي السماح لهم بالدخول، فاعتمد على روايات محلية قلّص بسببها ساعات تغطيته المباشرة لغزة، وركزت هذه الوسائل على تغطية الجانب الإسرائيلي وإفراد ساعات طويلة لكل تفاصيل القتلى والجرحى الإسرائيليين، بينما اكتفوا بنقل أرقام قتلى فلسطينية دون معاناتهم أو معاناة الرازحين تحت الحصار الصهيوني، والأغرب من هذا أن تعين محطة السي إن إن مراسلة لها في القدس من الفريق الصحفي السابق للناطق باسم الجيش الإسرائيلي. لقد كشف استطلاع فرنسي للرأي أخيراً أن 59% ممن شملهم الاستطلاع، تبين أنهم يرون أن الإعلاميين الفرنسيين ليسوا بعيدين عن ضغوط الساسة، بينما رأى 56% منهم أنهم ليسوا بعيدين عن ضغوط المال وابتزازاته، وهي مصداقية يبدو تراجعت منذ انتفاضة السترات الصفراء في باريس، وتفاقمت بعد كارثة كوفيد 19 لتصل ذروتها بانفضاض جمهور أوسع بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، وقد انسحبت هذه الحالة على زملاء في البي بي سي وعلى محطات تلفزيونية عالمية، وحتى على مراسلة قناة العربية في واشنطن نادية تبليسي التي تسأل الناطق الرسمي الأمريكي أسئلة مهمة لا تقم قناتها ذاتها بنقل أجوبتها أو أسئلتها. لعل تجليات فقدان المصداقية للإعلام الغربي ظهرت بتمرد شخصيات أكاديمية في الجامعات الغربية، وبتمرد ممثلين مشهورين في سينما هوليود، وهو ما كان ليحصل في الحروب السابقة، حيث كان الجميع ينساق وراء رواية وسردية الإعلام المنحازة كالعادة لإسرائيل، ووصل التمرد اليوم إلى الشارع الغربي على هذه التغطية، حيث رأينا خروج مئات الآلاف من الأشخاص في مظاهرات بالمدن الأوروبية غير عابئين بتغطيات إعلامية منحازة للسردية الصهيونية، وغير مستعدين لشراء هذه الرواية التي ملّوا وسئموا من تكرارها، وهو ما ستظهر تجلياته بشكل أعمق وأوسع وأضخم في المستقبل من حيث خسارة الإعلام الغربي بشكل عام لحاضنته كقراء أو مشاهدين أو مستمعين، لتملأ الفراغ بشكل كبير ربما منصات السوشيال ميديا، حيث ظهر أن هذه الحرب غطتها بامتياز السوشيال ميديا في العالم الغربي وحتى العربي، ولذا فقد كسبت الكثير من المصداقية على حساب الإعلام التقليدي» الشاشة الصغيرة». إن كانت حرب أمريكا على العراق عام 1990 كانت حرب السي إن إن الأمريكية بامتياز، بينما كانت حروب أفغانستان والعراق لاحقاً حروب الجزيرة نظراً لتميزها في التغطية الإعلامية لتلك الحربين، فإن العدوان على غزة كانت بامتياز حرب مناصفة ربما بين الجزيرة، واستئثارها بمشاهد العمليات القسامية، أو انفرادها بكلمة أبي عبيدة الناطق باسم القسام، وحتى تغطية مراسلها شبه الوحيد من غزة، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي كسرت احتكار السردية والرواية الصهيونية هذه المرة، لكن بكل تأكيد الخسائر الضخمة التي قدمها الإعلام الفلسطيني خلال العدوان على غزة والذي تمثل باستشهاد 112 صحفياً خلال فترة 100 يوم، وهو رقم خطير لم يسبق إليه لا في الحرب العالمية الأولى ولا في الثانية، وهو ما يعكس وحشية الاحتلال، وكذلك جرأة الإعلامي على خوض غمار المعركة من أجل الحقيقة، والذي جسدها الزميل وائل الدحدوح الذي قدم زوجته وأبناءه وحفيده في هذه المعركة، ولا يزال يصر على مواصلتها، مما ميّز الجزيرة في هذه التغطية، التي بدا أنها شريكة في المعركة، وليس في التغطية فحسب، وإنما حتى في الدم، كما كانت شريكة في تغطياتها السابقة إن كان في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا وغيرها. وكشف استطلاع للرأي أن هاشتاغ كلنا فلسطين غرّد عليه أكثر من ثلاثة مليارات تغريدة، بينما هاشتاغ مواز وهو كلنا إسرائيل لم يغرد عليه أكثر من 900 ألف تغريدة، وهو ما يعكس تنامي الوعي أولاً، وازدياد المؤيدين للرواية والسردية الفلسطينية، وهو ما تجلّى بشكل واقعي وحقيقي من خلال المظاهرات التي اجتاحت المدن الأوربية. وهنا ينبغي ألاّ ننسى المقال الذي كتبه الكاتب الأمريكي والصهيوني الأصل توماس فريدمان في النيويورك تايمز حين قال ان إسرائيل اليوم تخوض حرب الجبهات الست، وخصص جبهتين منها للسوشيال ميديا، ومعها جبهة النخب، وفي كلتا الجبهتين فإن إسرائيل خسرت الرهان، وربحت بالمقابل الرواية الفلسطينية، كل هذا عزز من تمرد الجامعات، وتمرد مؤسسة هوليود العريقة بالإضافة إلى تمرد الشارع الغربي بشكل عام. أخيراً كلمة حق فإن الإعلامي الحمساوي في هذه المعركة لم يكن دوره بأقل من دور المقاتل الحمساوي، وملتقط اللقطات المميزة للمعارك التي خاضها المقاتل القسامي، كانت بنفس المستوى، مما رفع معنويات وعزز مصداقية معسكر المقاومة الفلسطينية، وضرب معنويات العدو وأضعف مصداقيته أمام العالم كله. لقد كانت المعركة الإعلامية بكل نزاهة وحيادية لصالح المقاومة، وهذا ربما يحدث لأول مرة في تاريخها، بهذا الشكل الواضح والواسع والجلي.